[قاعدتان ذهبيتان في الأسماء والصفات]
وفي هذا المقام يتزود الطالب بقاعدتين ذهبيتين مهمتين، ذكرهما شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الحموية، ونقلها الشنقيطي رحمه الله: أولاً: القول في الصفات كالقول في الذات، ثانياً: القول في الصفات كالقول في البعض الآخر.
هاتان قاعدتان خصم بهما شيخ الإسلام كل أشعري، وضاقت مذاهبهم، وأعيتهم الحيل، وتأزموا نفسياً من وراء كتاب الحموية؛ لأنه قعد قاعدتين لا مهرب منهما، قال: القول في الصفات كالقول في الذات.
إذا قلت لي يا أيها الأشعري: ذات الله لا تشبه ذوات المخلوقين، أقول لك: ويده لا تشبه يد المخلوقين، وأصبعه لا يشبه أصابع المخلوقين.
والقول في الصفات كالقول في البعض الآخر، هذه القاعدة الثانية مهمة: إذا كنت أيها الأشعري تثبت السمع والبصر، أثبت اليد والرجل، فما الفرق؟ القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، انتهت المسألة، هاتان قاعدتان مهمتان جداً وإليهما أشار رحمه الله، ناقلاً من كلام شيخ الإسلام ومتأثراً به؛ لأن الشنقيطي رحمه الله قد كان في مبدأ أمره ليس على عقيدة السلف في الأسماء والصفات، عندما كان في شنقيط وكان يطلب العلم هناك، ولكن عندما جاء إلى الجزيرة، والتقى بعلماء الجزيرة، وأهدى له الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وأوصى بذلك بعض العلماء في المدينة أن يتابعوا الشيخ الشنقيطي في هذه المسألة، حصل للرجل القناعة التامة بمذهب السلف، وألفه بعد غاية بلوغه في العلم حتى لا يقال: مسكين ضحكوا عليه، ألفه بعد غاية جهده العلمي، ألف مثل هذه الرسالة.
وليس ظاهر الصفات التشبيه حتى تحتاج إلى تأويل، قال: " اعلموا أن المقرر في الأصول: أن الكلام إذا دل على معنى لا يحتمل غيره، فهو المسمى نصاً، كقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:١٩٦].
فإذا كان يحتمل معنيين أو أكثر فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون أحد الاحتمالين أظهر أو لا يكون ".
فإذاً عندنا نص لا يحتمل إلا معنى واحد فقط، وعندنا نص يحتمل احتمالين ثم قد يكون أحد الاحتمالين، أقوى وقد لا يكون أحد الاحتمالين أقوى، فإذا كان الاحتمال يتساوى، فهذا الذي يسميه العلماء المجمل، وضرب مثلاً قال: "لو قلت عدا اللصوص على عين زيد -أي اعتدى اللصوص على عين زيد- فاحتمال أن تكون عينه الباصرة عوروها، أو عينه الجارية غوروها، أو عين ذهبه وفضته سرقوها".
فإذاً كلمة عين في اللغة تحتمل: الحاسة هذه، وممكن تحتمل حرف العين من حروف الأبجدية، ممكن تحتمل الجاسوس، ممكن تحتمل عين الماء، ممكن تحتمل الذهب والفضة، فإذا كيف نفهم ما هو المقصود إذا صار هناك اشتراك في اللفظ؟ بالسياق والقرينة التي تدل عليه، فإذا قلت مثلاً: رأيت رأس الجبل، ورأس المال، يتبين بالإضافة كلمة رأس بحسب ما تضاف إليه ويكون لها معنى، رأس المال، رأس الجبل، رأس الإنسان.
إذا قلت: رأيت أسداً يكون الظاهر أنه حيوان مفترس، وإذا قلت رأيت أسداً يقاتل على حصان، واضح هنا أن الأسد المقصود به الرجل الشجاع مثلاً، فإذا قال مثلاً: اعتدى اللصوص على عين زيد فعوروها، نفهم العين الجارحة، وإذا قلت اعتدى اللصوص على عين زيد فغوروها، فإذاً هي العين الجارية، وإذا قلت اعتدى اللصوص على عين زيد فسرقوها؟ الذهب والفضة.
فالاختلاف في الصفات يعود إلى الاختلاف فيما أضيفت إليه هذه الصفات، كما قلنا في كلمة رأس، إذا أضيف الرأس إلى الجبل، أو إلى المال، أو إلى الإنسان، صارت أشياء مختلفة، فليس لأن فيها كلمة رأس تكون كلها واحدة متشابه، ولا نقول بهذا، وعندما نقول يد الله ويد زيد، ويد الباب، ما يستلزم التشابه، والمعنى يظهر من إضافة كل شيء إليه، فيد الله غير يد الإنسان، ورأس الجبل غير رأس الإنسان، ولله المثل الأعلى، لكن أنت ترى الاختلاف في المخلوق، إذا قلت رأس المال ورأس الجبل ورأس الإنسان، هذه مخلوقات، وكلمة رأس مختلفة في كل واحد منهما بحسب ما أضيف إليه.
وكذلك يفهم بالبديهة ويفهم بالطبيعة أننا عندما نضيف صفة لله سبحانه وتعالى، نقول: يد الله، وجه الله، قدم الله، أن هذا لا يلزم التشبيه إطلاقاً، وإذا قلنا استوى الله واستوى المخلوق، لا يستلزم تشبيه الاستواء بالاستواء إطلاقاً وهكذا.
ويؤمن المسلم بصفة الله سبحانه وتعالى، وهو يعتقد أن الله منزه عن مشابهة جميع المخاليق والحوادث المحدثة، ونعتقد أن ما قاله هؤلاء المحرفون باطل، وأن المقدمات الكلامية الفلسفية التي اعتمدوا عليها باطلة، وأنهم لما قالوا: إن الله لا يشابه المخاليق هذه مقدمة، وإثبات استواء الله يؤدي إلى التشبيه، فالنتيجة هي أن الاستواء باطل لا ينسب لله، فهذه المقدمة باطلة، وهذا الربط بين (لو واللام) في قولهم: لو أثبتنا لصار تشبيهاً، هذا الربط كاذب، فالله مستو على عرشه من غير مشابهة للمخاليق والحوادث، وكذلك سائر صفاته سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] تنزيه {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] إثبات.