للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاحتجاج بالمشيئة]

من معوقات الهداية: الاحتجاج بالمشيئة، هذا الذي نسمعه كثيراً من الناس، الذين يقولون: لو شاء الله لهدانا، وهؤلاء قد سبقهم الكفار بالاحتجاج بالمشيئة، فقال الله عنهم: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف:٢٠] لو شاء الرحمن ما عبدنا هؤلاء وأشركنا في الله، وقال عز وجل في آية أخرى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:١٤٨].

احتج المشركون بالمشيئة، كلامهم في الظاهر صحيح، لو شاء الله ما أشركوا لا شك في ذلك: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٠]، لكن الله عز وجل كذبهم، وقال في آية الأنعام: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام:١٤٨] وقال في آية الزخرف: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف:٢٠].

فكيف كذبهم وظاهر كلامهم صحيح؟!

الجواب

لأن مرادهم بكلامهم: لو شاء الله ما أشركنا، قولهم: إن الله لما كان قادراً على منعهم ولم يمنعهم دل ذلك عندهم على أنه راضٍ عنهم وعن الشرك، قالوا: لو لم يكن راضياً لصرفنا، فكذبهم الله على هذا الزعم، وأن الله لو شاء شيئاً لا يعني أنه يحبه، ولو قدر شيئاً ليس يقتضي ذلك أنه يحبه، فإن الله يشاء الخير ويشاء الشر سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تقول: ما دام الله شاء هذا، يعني: أن الله يحبه وأن الله يقره، أبداً.

ولذلك هؤلاء العصاة الذي يقولون: لو شاء الله لصرفنا عن هذا الشرك، لو شاء الله لهدانا، نقول: إذا كنتم تحتجون بواقعكم على أنه صحيح، بأن الله شاء ذلك فأنتم ضلال، فالله عز وجل شاء كل ما يقع، لا يقع شيءٌ إلا بمشيئته قطعاً، خلافاً لمن ضل في ذلك من القدرية، وإذا كنتم تقولون: إننا مجبورون على الفعل، ولو شاء الله لأخرجنا، لكنه جبرنا على المعصية، فنقول: أنتم ضلالٌ أيضاً، فإن الله سبحانه وتعالى قد أعطاكم الإرادة.

قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض، وكتب أهل الجنة وأهل النار، وأقام الحجة على الجميع بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ووفق من شاء توفيقه، ولم يوفق من سبق عليه الكتاب الشقاء، وخلق لكل إنسانٍ قدره، فلا يحتج أحد بأنه مجبور؛ لأن له قدرة وإرادة، ولا يحتج أحد على الغواية بأنه لا يعرف الحق، فالله قد أرسل الرسل وأنزل الكتب، وبين طريق الخير والشر: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:١٠] وهذا الفاسق الذي يفعل ما يفعل يفعله مختاراً ليس مجبوراً، طائعاً غير مكره هو الذي اختار شرب الخمر فشرب، وهو الذي اختار الزنا فزنى، وهو الذي اختار سماع الغناء فسمع، وهو الذي اختار الإسبال فأسبل ونحو ذلك، فهو الذي اختار بإرادته وقدرته التي أعطاه الله إياها ولذا اختار الشر، فلا يصح بعد ذلك لإنسان أن يقول: أنا مجبور! أو أن يحتج بمشيئة الله على أن الله يرضى واقعة السيئ، كلا.

بعد هذا كله لو خالف فهو يستحق العقاب، والهداية لا تصل إلى الناس من الشباك وهم يتفرجون أو وهم نائمون، تصل إليهم الهداية يقولون: نحن ننتظر الهداية تظن أن الهداية شيءٌ سيأتي من خلفك فيقذف فيك بدون أي عملٍ منك؟! بل إن الإنسان لو رأى أمامه أشد الحوادث تأثيراً! لو كان قلبه مغلفاً لا يريد التأثر فإنه لن يتأثر.