[إهمالنا لأهل بيوتنا]
كذلك -أيها الإخوة- من الأشياء والعيوب التي عندنا مما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إهمالنا لأهل بيوتنا، إهمالنا للزوجات وعدم تعليمهن، إهمالنا للأولاد وعدم تربيتهم، ربما يكون أولاد الواحد يخرجون إلى الشوارع ويتعلمون الألفاظ البذيئة، وربما يمارسون الفواحش، ويكون المسئول عنه واحد ممن يظهر عليه آثار الالتزام والتدين، ومع ذلك هذا حال أولاده وإخوانه الصغار، فأين الإحساس بالمسئولية؟ وأين أثر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:٦]؟ أين هذا من إهمالنا نحن لحال أهلينا وحال أولادنا وزوجاتنا بل وآبائنا وأمهاتنا؟ وقد كانوا -رحمهم الله- يهتمون بذلك اهتماماً عظيماً، قال عبد الرحمن بن رستة: سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله -واحد يدخل بزوجته- هل يترك الجماعة أياماً -هل يجوز له ترك صلاة الجماعة؟ هل يجوز للعريس أن يترك صلاة الجماعة أياماً؛ لأنه إذا دخل بها فانشغل بزوجته وهو حديث عهد بها وبشهوته فربما تفوت عليه الصلوات ويصعب عليه إدراك الجماعة، هل ترخص لهذا العروس الجديد إذا دخل بزوجته أن يترك الجماعة أياماً؟ وهذا تراه شائعاً عند بعض الناس يقولون: أول فجر وأول جمعة وأول ثلاثة أيام يبتدعون من عندهم مقادير معينة للصلوات أنه لا يأتيها ولا يصليها ولا يركعها في جماعة، وهذه رخصة، يؤكدون أنها رخصة وأنه ليس عليه إثم إذا فعل ذلك، فيترك الجماعة أياماً- قال: لا.
ولا صلاة واحدة.
الآن العلاقة بقضية الأهل والأولاد، وحضرته صبيحة بنى بابنته، ابن مهدي يفتي أنه لا يجوز لهذا الشخص أن يتخلف عن صلاة الجماعة، بني في ابنته في الصباح خرج فأذن ثم مشى إلى بابهما؛ باب البنت وزوجها، فقال للجارية: قولي لهما يخرجان إلى الصلاة، الرجل في المسجد والمرأة تقوم تصلي في البيت، فخرج النساء والجواري فقلن: سبحان الله! أي شيء هذا؟ هذه أول ليلة وهذا أول فرض، فقال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يطرق بيت فاطمة وعلي ليلاً على صلاة النافلة، على الصلاة المستحبة، ويأمرهما بالصلاة، فكيف بقضية إهمال الأهل والأولاد في الأمر بالصلاة الواجبة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢]؟ الحقيقة أننا كثيراً ما نقصر في أمر أهالينا بالصلاة، وهذا أمرٌ مما نعاتب أنفسنا به أشد المعاتبة، ذلك لأننا سنشترك الإثم لو سكتنا عن القضية.
لو سكتنا عن محاربة المنكرات في البيوت سنأثم ولا شك، والآن المنكرات تزداد وتتنوع وتتشعب وتكثر، أصناف ألوان من المنكرات تغزو البيوت غزواً استعمارياً شديداً، وتسيطر على الأفكار، وتوقظ الشهوات في النفوس، وتلقي بضلال الشبهات في القلوب، هذه قضايا واقعة فما هو موقفنا تجاهها؟ أو ماذا فعلنا لأهلينا وأولادنا؟ هذه من الأشياء التي قصرنا فيها، ونعاتب أنفسنا فيها.
ما هو موقفنا من الجهاد؟ هل يوجد واحد منا يتمنى أن يجاهد؟ هل الواحد منا يتمنى الشهادة؟ هل الواحد منا يحدث نفسه بالغزو؟ وجد أعذاراً في وضعه وحاله أنه لا يجب عليه الجهاد، ولكن هل يحدث نفسه بالغزو أو الشهادة، أو أن القضية بعيدة المنال بحيث أنها لا تخطر له على بال، ولا تأتي له على قلب مطلقاً؟ لو كنا صادقين في موقفنا من الجهاد لكنا نحدث أنفسنا على الأقل بفرضيته وأهميته وأجر الشهادة وفضل الشهادة ونتمنى الشهادة حتى إذا مات الواحد منا على فراشه نال أجر الشهادة، هذا خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة رضي الله عنه قال: [لقد طلبت مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار] يقول: هذا أرجى عمل، أحرس أنتظر والسماء تمطر وأنا أنتظر الصباح لنغير على الكفار، ثم قال: [إذا مت فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله].
وابن أم مكتوم وهو أعمى معذور قال: [أي رب! أنزل عذري، فأنزلت: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء:٩٥] فكان بعد يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر وأقيموني بين الصفين].
يقول: أنتهز فرصة أني أعمى فلا أفر فضعوا اللواء عندي.
حتى نساؤهم رضي الله عنهن، أم سليم اتخذت خنجراً يوم حنين، فقال أبو طلحة: (هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول الله! إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه، من أجل ذلك وضعت عندي هذا الخنجر).
أبو طلحة قرأ قول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:٤١] فقال: [استنفرنا الله وأمرنا شيوخاً وشباباً جهزوني، فقال بنوه: يرحمك الله إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ونحن نغزو عنك الآن، قال: فغزا في البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير] ما يتغير مثلما يتغير الموتى.