ومن الأمور المهمة أيضاً في طريق طلب العلم: تقييد العلم وخصوصاً الفوائد، والشوارد، واستعمال هوامش الكتب، وبعض الشباب إذا اشترى كتاباً فوجد فيه صفحة بيضاء من أوله وصفحتين في آخره، قال: ما بال هؤلاء الأغبياء يضيعون الأوراق! مع أنه ما عرف أن لهذه الأوراق البيضاء فوائد كثيرة في كتابة اللطائف والشوارد والأشياء التي قد لا تكون موجودة في محل يسهل الوصول إليه، فيقيدها في أول الكتاب أو في آخره، أو كتابة بعض التحقيقات، أو الإضافات، وكذلك ترتيب الهوامش والجوانب في كل صفحة؛ لأنك إذا أردت أن تكتب شرحاً على متن مثلاً فتحتاج أن تجعل الشرح أمام العبارة؛ لأن بعضهم لا يحسن الحساب، فيبدأ يكتب بخط طويل أو بخط كبير من أوله، فلا يجد نفسه إلا وقد أتى في شرح العبارة الأولى إلى موضع العبارة الخامسة، فلم يرتب الصفحة، ولم يحسب الحساب، وهذا فن بحد ذاته، وهو قضية إعداد الهوامش وإعداد الجوانب وترقيمها، ووضع أرقام في كلا الجانبين في الأصل وفي الشرح وفي الحاشية، حتى تعرف أن هذا الشرح لهذه العبارة وهكذا، وحسن تنظيمها وترتيبها يساعدك على استذكارها واستعادتها مرة أخرى.
وأما تقييد العلم فقد جاء فيه أحاديث، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (قيدوا العلم بالكتاب).
وكان لـ علي صحيفة كَتَب فيها أحاديث.
ولـ عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة يقال لها: الصادقة.
وقال الشعبي: لا تدع من العلم شيئاً إلا كتبته.
وقالوا: الحِبْر عِطْر الحَبْر.
مَن هو الحَبْر؟ العالِم.
والِحبْر؟ حِبْر المحبرة، المداد.
قالوا: الحِبْر عِطْر الحَبْر، الناس الآن يضعون (كالونيات) وأشياء وعطورات، والعالِم عِطْره حِبْر قلمه.
العلم صيدٌ والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الموثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة ثم تدعها في البراري مطلقة