[من ضوابط التجارة: الإيمان بحقارة الدنيا مع العمل فيها]
وكذلك من الشروط والضوابط: أن يؤمن الإنسان بحقارة الدنيا وتفاهتها مع عمله فيها وسعيه فيها (ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم) رواه الترمذي وحسنه.
ملعونة أي: مبغوضة من الله، واستثنى:(إلا ذكر الله وما والاه) وما كان في معناه من أعمال البر والخير، ويدخل في ذلك التكسب للإنفاق على النفس والأولاد والصدقة من المال المكتسب، فكأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يحمد فيها إلا ذكر الله وعالم أو متعلم، وما كان يخدم قضية الآخرة مما جاءت الشريعة بالأمر به؛ من وجوب النفقة على النفس والأهل، وأداء الحقوق الشرعية، وتدخلت الشريعة في أمور اللباس مع أنه أمر دنيوي؛ فلبس الحرير والذهب محرم على الرجال، والنفقة أوجبتها حتى على البهائم؛ فإذا كان عند الإنسان بهائم فيجب عليه شرعاً أن ينفق عليها، وإذا كان لا يريد، أو قصرت النفقة، فليُطْلِقْها ولا يتركها عنده، فكل إنسانٍ مسئول عن نفقة البهائم التي عنده حتى العصافير في أقفاصها.
أيها الإخوة: لقد سئل الإمام أحمد رحمه الله: أيكون الرجل زاهداً في الدنيا وعنده مائة ألف؟ قال: نعم.
إذا لم يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت.
إذاً يمكن أن يكون زاهداً ولو كان عنده الملايين، وإذا وصل الإنسان وهو يتعامل بالأموال في الدنيا والوظائف لدرجة أن يكون المال عنده بمثابة الحمار الذي يركبه في تنقله، والكنيف الذي يدخل فيه لقضاء حاجته؛ فليس على هذا خوف من التعلق بالدنيا؛ فهو يحصل المال للحاجة، مثل: اتخاذ المرحاض للحاجة فلا بد منه، ولكن القلب ليس متعلقٌ بالمرحاض، ولا بد من اتخاذ وسيلة نقل كانت عند الأولين وكثيرٍ من الآخرين الدواب الحمير، ولكن القلب ليس متعلقاً بالحمار، ولا محباً له وغالياً فيه، وينام على ذكره، ويصحو عليه، ويراه في منامه، كلا! فإذا كان الإنسان يعمل في الدنيا وقلبه ليس متعلقاً بها، وإنما يعمل لأنه لا بد من تحصيلها لنفقاته وعياله؛ فعند ذلك لا خوف عليه.