[ابتعاده عن الأمراء والسلاطين ونصحه لهم]
ولما استخلف المهدي بعث إلى سفيان فلما دخل عليه خلع خاتمه -الخليفة يخلع خاتمه لـ سفيان - فرمى به إلى سفيان وقال: يا أبا عبد الله! هذا خاتمي فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة.
فأخذ الخاتم بيده وقال: تأذن بالكلام يا أمير المؤمنين! قال السامع للراوي: قال له: يا أمير المؤمنين! قال: نعم.
فقال الخليفة: نعم.
يأذن له بالكلام.
قال: أتكلم على أني آمن؟ قال: نعم.
قال سفيان: لا تبعث إليَّ حتى آتيك، ولا تعطني حتى أسألك.
قال: فغضب الخليفة وهمَّ به، فقال له كاتبه: أليس قد آمنته؟ قال: بلى.
فلما خرج سفيان حس به أصحابه، فقالوا: ما منعك وقد أمرك أن تعمل في الأمة بالكتاب والسنة؟! فاستصغر عقولهم وخرج هارباً إلى البصرة، وكان يقول: ليس أخاف إهانتهم، إنما أخاف كرامتهم فلا أرى سيئتهم سيئة.
أي: إذا أكرموني تغاضيت عن الحق ولا أرى سيئتهم سيئة.
وكان ينكر عليهم الإسراف في الولائم في مواسم الحج، فعن محمد بن يوسف الفريابي: سمعت سفيان يقول: أُدخلت على أبي جعفر بـ منى فقلت له: اتق الله، فإنما أنزلت في هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار وأبنائهم وهم يموتون جوعاً، حج عمر فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً وكان ينزل تحت الشجر.
فقال الخليفة لـ سفيان: أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا.
ولكن دون ما أنت فيه وفوق ما أنا فيه.
فقال: اخرج.
ولما أُدخل على المهدي بـ منى وسلم عليه بالإمرة، فقال الخليفة: أيها الرجل! طلبناك فأعجزتنا، فالحمد لله الذي جاء بك، فارفع إلينا حاجتك.
قال: وما أرفع؟ حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حج عمر فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهماً، قال عمر: أسرفنا! وإني أرى هنا أموراً لا تطيقها الجبال.