[جداول العلماء وبرامجهم اليومية وأثرها في التربية]
أحياناً تكون جداول العلماء ودروسهم وبرنامجهم -كما يقال- اليومي بحد ذاته عبرة لطالب العلم أن يتربى على الاستفادة من الوقت، عندما ينظر هذا الشيخ يُشغل وقته في أي شيء؟ وكيف يمر يومه؟ وكيف يغتنم عمره؟ ففي ترجمة ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- يقول السخاوي تلميذه: وأما طريقته في تقضي أوقاته فكان في أوائل أمره يصلي الصبح بغلس في الجامع، ثم صار بعد ذلك لما انتقلوا إلى المدرسة وفيها مكان الصلاة يصلي فيها، ثم يجيء من خلوته النافذة لمنزل سكنه؛ فإذا فرغ من الصلاة فإن كانت لأحدٍ حاجة كلمه، ثم يدخل إلى منزله فيشتغل بأذكار الصباح أو التلاوة، ثم يأخذ في المطالعة أو التصنيف إلى وقت صلاة الضحى فيصليها، ثم إن كان بالباب من يستأذن للقراءة ظهر إليهم، فقرأ بعضهم روايةً وبعضهم درايةً، واستمر جالساً معهم إلى قريب الظهر، ثم يدخل إلى منزله قدر ثلث ساعة، ثم يقوم فيصلي الظهر داخل بيته، ثم يطالع أو يصنف إلى بعد أذان العصر بنحو ثلثي ساعة أو أقل أو أكثر، فيظهر إلى المدرسة فيجد الطلبة في انتظاره، فيصلي بهم العصر ثم يجلس للإقراء، وفي غضون قراءتهم عليه وكذا في نوبة الصباح يكتب على ما يجتمع عنده من الفتاوى الحديثية والفقهية، وربما دار بينه وبين بعض الطلبة الكلام في بعضها، ولا ينتهي غالباً من هذه الجلسة إلا عند الغروب، فيدخل إلى منزله، فإن لم يكن صائماً تعشى، وإلا انتظر الأذان فيأكل ثم يصلي ويشتغل أو يطالع إلى أن يسمع العشاء؛ فيقوم إلى المدرسة فيجد جمعاً من الطلبة أيضاً في انتظاره، فيصلي ركعتين، ثم يجلس للقراءة غالباً، أو للمذاكرة أكثر من ساعة، ثم يقوم فيصلي العشاء بالجماعة، ثم يدخل إلى بيته فيصلي سنة العشاء، وهكذا رحمه الله.
هذا البرنامج اليومي والجدول الذي كُله نفع وإفادة واستفادة، هذا الوقت وهذا اليوم المليء بالغنائم هذا بحد ذاته -أيها الإخوة- فائدة، وعندما يراه طلابه يحصل في نفوسهم من الحماس للعلم الشيء الكثير، كان -رحمه الله- يغتنم وقته، حتى أوقات الانتظار الطارئة كان يغتنمها، توجه مرةً إلى المدرسة المحمودية فلم يجد مفتاحها، كان قد سها عنه بمنزله -نسي المفتاح- فأمر بإحضار نجار ليصنع المفتاح، وشرع في الصلاة إلى أن انتهى النجار من فتح الباب، فقيل له: لو أرسلت وأحضرت المفتاح من البيت كان أقل كلفة! قال: هذا أسرع، ويحصل الانتفاع بالمفتاح الثاني، النسخة الثانية هذه مفيدة.