للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة الناس إلى النصيحة]

أيها الإخوة: صار الواحد منا اليوم إذا رأى أخاه على منكر، أو رآه واقعاً في خطأ ما؛ يستحي أو بعبارة أدق يخجل أن يوجه إليه النصيحة، وصارت النصيحة عند بعض الناس اليوم عيباً لا ينبغي ذكره ولا إسداؤه أو التوجه به.

سيقول السفهاء من الناس: إن النصيحة تعتبر تعدياً على الحرية الشخصية للإنسان، وهذه فكرة قائمة في أذهان الكثير، فإنك ترى أحدهم اليوم إذا جئت توجه إليه نصيحة في أمر من الأمور؛ قال لك: وما دخلك أنت، وما حشرك في الموضوع، أنا حر فيما أفعل، هذه هي الحرية الشخصية، الحرية المزعومة التي ادعاها هؤلاء تقليداً للكفرة من الغربيين والشرقيين؛ الذين جعلوها صنماً يعبد من دون الله، فأدت إلى ما أدت إليه من الشرور والمفاسد.

أيها الإخوة: الحرية مكفولة للمسلمين -والحمد لله- في هذا الدين، ولا يحتاج المسلم لضمان حريته إلى أكثر من التقيد بشرائع الإسلام.

إن الإسلام يضمن لكل مسلم حريته بالأشياء التي جاء بها في إقرار حقوق المسلم وتحريم التعدي عليه، والذي يزعم أن الحرية مطلقة؛ فإن كلامه يؤدي إلى نسف عبودية الإنسان لله بالكلية؛ لأنك إذا عممت هذا المفهوم كما يراه بعض الناس اليوم؛ فإنك ستقول: أنا حر أن أؤدي الصلاة أو لا أؤديها، وأنا حر أن ألتزم بالزكاة أو لا ألتزم بها، أو أنا حر أن أصوم أو أحج إلى غير ذلك، فتصير الحرية بهذا المفهوم وبالاً شديداً ومطعناً عظيماً في دين الإسلام، فإن الإنسان عبد لله عز وجل شاء أم أبى، فيجب أن يقدم حقوق هذه العبودية، ولهذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الإنسان لا يمكن أن يعيش من غير عبودية مطلقاً، لا بد أن يعبد شيئاً ما، فإما أن يكون عبداً لله تعالى، أو عبداً لأهوائه أو شهواته، أو غيرها من طواغيت الإنس، أو الأصنام وما شابهها.

لذلك -أيها الإخوة- لابد أن يستقر في عقول هؤلاء الناس أن النصيحة ليست تعدياً على الحرية الشخصية مطلقاً، وهذه القصة أو الحوار الذي سمعته يوماً ما من أحد الإخوان -والعهدة على الراوي- تبين حال الناس في قضية النصيحة: فإن إنساناً أتى لرجل من المسلمين فقال له: يا أبا فلان! إن ثوبك طويل يسحب، هلا رفعته وقصرته كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد رأى مسلماً واقعاً في منكر؛ فأسدى إليه نصيحة، فقال له الشخص المخاطب بلهجته: يا فلان! هذا ثوبي وإلا ثوبك؟ قال: لا.

ثوبك، قال: فما دام أنه ثوبي؛ فأنا حر أفعل به كما أشاء، فانطلت هذه الكلمة على ذلك الرجل الناصح المسكين فقال: إي والله صدقت.

أيها الإخوة: هذا مثل بسيط من الأمثلة التي تعبر فعلاً على أن الناس اليوم يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة لهم هو تدخل في حرياتهم ومظاهرهم الشخصية، لذلك لا يرون التقيد أو قبول النصيحة أصلاً، وقد أتى الخلل من كون بعض المسلمين يرون بأنه لا علاقة للإسلام وأحكام الإسلام في مظاهرهم الشخصية، فلذلك هو حر في مظهره الشخصي، وهذه نقطة خطيرة؛ لأن المظهر -أيها الإخوة- من شعارات الإسلام، وقد اهتم الإسلام بالباطن كما اهتم بالظاهر؛ ولأن اللباس والهيئة والمظهر من شعارات المسلمين الدالة على تميزهم عن غيرهم من الأمم الكافرة، ولذلك أمر الإسلام بمخالفة أعداء الدين وأصحاب الملل الأخرى من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، فأمر بإرخاء اللحى، وقص الشوارب، وتقصير الثياب، وغير ذلك من الأشياء تظهر المسلم متميزاً متفرداً في مظهره وهيئته.