الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فقد خلق الله سبحانه وتعالى خلقه، وابتدأ خلق البشر بخلق أبيهم آدم عليه السلام، وكان من خلقه عز وجل الجن ومردتهم الشياطين وعلى رأسهم إبليس لعنه الله، واقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يخلق إبليس ليبلو عباده بهذا الشيطان فينظر كيف يعملون، فمن أطاع إبليس ذهب معه إلى دار العقاب، ومن عصاه نجا بنفسه إلى دار الثواب، ولقد أخذ إبليس العهد على نفسه منذ أن خلق الله أبانا آدم بإضلال البشر وإضلال سلالة آدم عليه السلام، فقال الله سبحانه وتعالى عن هذا العدو الخبيث {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:١٦ - ١٧] وقال الله سبحانه وتعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ}[النساء:١١٧ - ١١٨] أي إبليس {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً}[النساء:١١٨ - ١٢٠].
وفي المقابل فإن الله سبحانه وتعالى تكفل من تاب بأن يتوب عليه، ولمن اعتصم به أن ينجيه من شر إبليس، فلم يتركنا هملاً ونهباً للشياطين، وإنما أعطانا من الأسلحة ما ندافع به عن أنفسنا شر هذا الشيطان الرجيم، وقد جاء في الحديث الحسن الذي رواه الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الشيطان قال: وعزتك يا رب! لا أبرح أغوي عبادك مادامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال اغفر لهم ما استغفروني).
ولقد تنوعت طرق إبليس في إغواء البشر وصار يقعد بكل صراط يصد عن سبيل الله من آمن، ويريده أن يعوج، فقال صلى الله عليه وسلم:(إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك فعصاه فأسلم، ثم قعد له في طريق الهجرة فقال له: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، فعصاه فهاجر، ثم قعد له في طريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل وتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال، فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة) رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.