وكذلك من الآداب ما تقدم أن الإنسان إذا مشى إلى الصلاة فإنه يمشي وعليه السكينة والوقار، ولا يهرول هرولة ويجري جرياً كما يفعل كثير من الناس إذا سمع الإقامة جاء يجري، يدخل في الصلاة وهو لاهث مضطرب الأنفاس، يضيق صدره ويعلو وينخفض من شدة جريه وسعيه، على أنه قد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع أنه لا بأس أن يسرع أكثر من المعتاد لأجل اللحوق بالركعة، خصوصاً إذا كانت في هذه الركعة إذا فاتت فاتت الصلاة، كما لو جاء قبيل الركوع من الركعة الثانية من صلاة الجمعة، لو فاتته فاتته الجمعة، قال: فلو أنه اشتد لأجل هذه المصلحة الأعلى فإنه لا بأس بذلك.
لكن الناس الآن يجرون بكل حال على ركوع الركعة الأولى أو الثانية، وخصوصاً إذا صار المسجد عريض الصف يركضون ويجرون جرياً حتى يشوشوا على الناس وعلى الإمام في الصلاة.
وينهى عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة) كما جاء في الصحيح.
أما بالنسبة لقوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس:١٢] ففسر مجاهد آثارهم بالخطوات والمشي إلى الجمعة والجماعات والصلوات، وكل هذا يكتب عند الله، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الصحيح:(إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصلي مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام).
فكلما كان بيتك أبعد كان أجرك أعظم، ولذلك لما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من موضعهم إلى قرب المسجد نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال:(بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم) أي: الزموا دياركم تكتب آثاركم.
وكذلك من الآداب المتعلقة بالمشي أن الإنسان إذا كان مريضاً فأتى الجماعة وهو يحتسب هذه الخطوات فإن أجره عظيم عند الله، قال عبد الله بن مسعود كما في صحيح مسلم:(لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة -صلاة الجماعة- إلا منافقٌ قد علم نفاقه؛ إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة) يمشي وهو مريض حتى يأتي إلى الصلاة.
وكذلك فإن من الأحكام والآداب أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) ولذلك يقول أبي بن كعب: كان رجلٌ لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاةٌ قال: فقلت له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قد جمع لك الله ذلك كله) رواه مسلم.
فإذاً في المشي إلى الصلاة أجرٌ ليس فقط في الذهاب بل حتى العودة.