أما الأدب مع الله عز وجل فله أمثلةٌ كثيرة، فمنها: نهي المصلي عن رفع بصره إلى السماء، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: هذا من كمال أدب الصلاة أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقاً خافضاً طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى السماء، قال: والجهمية لم يفقهوا هذا الأدب ولا عرفوه، لأنهم ينكرون أن الله فوق سماواته، وهذا من جهلهم، إذ من الأدب مع الملوك أن الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض ولا يرفع بصره إليهم، فما الظن بملك الملوك سبحانه وتعالى!! وقال شيخ الإسلام في مسألة النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: إنها من الأدب مع الله عز وجل، لأن القرآن كلام الله، قال: وحالتا الركوع والسجود، حالتا ذلٍ وانخفاضٍ من العبد، فمن الأدب مع كلام الله ألا يقرأ في هاتين الحالتين، يعني: في الركوع والسجود، لأنهما حالتا ذلٍ وانخفاض.
وكذلك من الأدب مع الله: ألا يستقبل بيته في قضاء الحاجة ولا يستدبره، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورجح ابن القيم رحمه الله أن هذا الأدب يعم الفضاء والبنيان.
ومن الأدب مع الله: الوقوف بين يديه في الصلاة مع وضع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة، ولا شك أن هذا من أنواع الأدب أن يضع يديه اليمنى على اليسرى على صدره ويقف يبن يدي ربه، وكذلك الأدب مع الله: السكون في الصلاة، ولما ذكر أهل العلم قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج:٢٣] ذكروا فيها معنيين: الأول: دائمون، بمعنى: مستقرون ثابتون، لا يكثرون الحركة كما يفعل كثيرٌ من الناس من تحريك النظارة والساعة وغطاء الرأس واللعب، أو العبث بالأنف والجيب ونحو ذلك من الأشياء، ولا شك أن هذا لا يعطي معنى الديمومة:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}[المعارج:٣٤] المحافظة على السكون في الأطراف والطمأنينة، وكذلك المحافظة على الوقت، لا يخرجونها عن وقتها، فهم دائمون على الصلوات في أوقاتها ويحافظون عليها في أوقاتها، كما أنهم دائمون في الخشوع والطمأنينة، والأدب مع الله في الظاهر والباطن، ولا يستقيم إلا بمعرفة أسمائه سبحانه وتعالى ومعرفة دينه وشرعه وما يحب وما يكره.