ومن الأمور كذلك ونختم به: أنه لا بد من وجود أوقات للعبادة والأذكار في اليوم، لا تُشغل بأي شيء آخر ولا تزاحم، ولا يصلح الاعتذار بأعمال الدعوة وإنكار المنكر وطلب العلم عن هذه الأوقات ولا يصلح أن نزاحم الأذكار والمواسم بأعمال أخرى هي من العبادة، لكنها تؤدي إلى إسقاط الأذكار والنوافل بالكلية، وقد يطرأ على الإنسان في بعض الأحيان شيء يشغله عن أذكار ما بعد الصلوات أو أذكار النوم أو يفوته شيء من قيام الليل، لكن أنه يشتغل بأشغال ولو كانت من باب الدعوة، أو القراءة بحيث إنها تشغله دائماً عن النوافل والعبادات والأذكار، فتجده دائماً منشغلاً عن الأذكار ليس عنده وقت للدعاء.
فهذا شيخ الإسلام رحمه الله كان يخرج بطلابه إلى السوق لإنكار المنكر، ويكسرون آلات اللهو ويشقون جرار الخمر، ويخرج لتنظيم العساكر والجهاد، ويعلم ويعمل أشياء كثيرة، لكن الأمر في حياته كما يقول تلميذه رحمه الله: وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد هذا الغداء سقطت قوتي.
وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد لتلك الراحة إلى ذكر آخر.
هذه غدوته، ولو لم أتغد هذا الغداء، ما هو الغداء؟ من صلاة الفجر إلى أن ينتصف النهار ذكر لله، قراءة وذكر ودعاء، لو لم أتغد هذا الغداء سقطت قوتي، ولا يصلح إشغال أوقات العبادات المشروعة بأمور أخرى دائماً، أن يقول إنسان: بعد كل صلاة سأشتغل بشيء آخر، أقرأ في كتب، وينسى أن يقرأ الأذكار، ووقت ورد القرآن لا يصلح أن يُترك ويُشغل بشيء آخر لا بد أن نحافظ على هذه الثوابت في حياتنا، وأقول لشباب الصحوة: لا ينبغي أن تشغلنا الأحداث المتلاحقة عن أداء العبادات، ألم تر أن علياً رضي الله عنه ما ترك الأذكار في ليلة صفين، قالوا ولا ليلة صفين؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصاه هو وفاطمة أن يسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا الله أربعاً وثلاثين.
قالوا ما تركتها ولا ليلة صفين؟ -ولا في معركة- قال: ولا ليلة صفين، فبعض الشباب إذا طرأت عليهم أحداث وأحوال ينسون الأذكار وينسون الأدعية والصلوات، أقول: إذا حصل يحصل أحياناً، فقد يطرأ على الإنسان طارئ.
فقد قام النبي عليه الصلاة والسلام مرة مسرعاً من بعد الصلاة مباشرة لأنه تذكر شيئاً، أما أن الإنسان يكون دائماً في طوارئ وأشياء تشغل عن العبادات، ولا يصبح هناك في اليوم متسع لأذكار الصباح والمساء والنوم وورد القرآن والأدعية، فهذا خطأ.
فهذه -أيها الإخوة- بعض النقاط في موضوع تربية النفس على العبادة.
ونقول مرة أخرى: لا بد من العلم بها، ومعرفة فضلها، والمسارعة إليها، والاجتهاد فيها، والتنويع والاستمرار عليها، وعدم إملال النفس ورجاء القبول مع خوف الرد، واستدراك ما فات منها، وقراءة سير العباد والزهاد، والتعود عليها منذ سنٍ مبكرة، والانخراط في الأوساط الإيمانية، وعدم إشغال أوقات الأذكار والأدعية بأمور أخرى ولو كانت من الصالحات، لأجل ألا تضيع هذه العبادة.