[مذهب السلف في الصفات الجامعة]
ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالعلو والكبر، والعظم فقال سبحانه: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥] هذه في الصفات التي يسمونها الصفات الجامعة، الآن خرجنا من صفات الأفعال إلى الصفات الجامعة، كالعلو والعظم والكبر والملك والجبروت والعزة والقوة، هذه اسمها الصفات الجامعات، حتى هذه الصفات على تقسيمهم إذا نظرنا فيها، سنجد أن الله أثبتها لنفسه، وأثبت بعضها لبعض المخلوقين، فوصف الله سبحانه وتعالى، بأنه علي وأنه عظيم وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥] وقال عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء:٣٤] فوصف نفسه بالعلو والكبر سبحانه وتعالى وأنه {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:٩] ووصف بعض الخلق بالعلو وبالعظيم فقال: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم:٥٧] {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً} [الإسراء:٤٠] {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:٦٣] وقال عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل:٢٣] ووصف بعض المخلوقات أنها كبيرة فقال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:٦٣].
فهذه الصفات الجامعة، كالعلو والكبر والعظم نثبتها لله كما أثبتها الله لنفسه، ونثبتها للمخاليق إذا ثبتت لهم، ولا يستلزم ذلك أي تشبيه.
ووصف الله نفسه بالملك، فقال: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ} [الجمعة:١] {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٥] ووصف بعض المخلوقين بالملك فقال في القرآن: {طَالُوتَ مَلِكاً} [البقرة:٢٤٧] {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يوسف:٤٣] {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:٧٩].
فلله سبحانه وتعالى ملك حقيقي يليق بجلاله وكماله، وللمخاليق ملك يناسب حالهم وفناءهم وعجزهم وافتقارهم، ملك الله سبحانه وتعالى نافذ، ملك الله سبحانه وتعالى عام، ملك الله سبحانه وتعالى لا يزول ولا يحول، ملك الله سبحانه وتعالى يتصرف فيه كيف يشاء، ملك المخلوق محدود، ومعرض للاغتصاب، ومعرض للزوال، ويزول، وملكه قد لا يتصرف فيه، ممكن أنت تملك شيئاً، لكنك لا تستطيع أن تتصرف فيه، لأن هناك غاصباً، أو لأن القاضي وضع عليه حجراً، لأن لأن من الأسباب التي قد تعيقك عن التصرف في ملكك، ولكن الله يتصرف في ملكه كيف يشاء.
فلا يمنع أن يثبت لله الملك، وأن يثبت للمخلوق الملك، كل بما يليق به.
ووصف الله سبحانه وتعالى بأنه جبار متكبر فقال: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:٢٣] ووصف بعض المخاليق بأنهم جبارون متكبرون: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:٣٥] {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:١٣٠] {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:٦٠] وهكذا.
ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالعزة فقال: {أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:٢٠٩] {رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص:٩] ووصف بعض المخلوقين بالعزة فقال: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} [يوسف:٥١] وكذلك {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨] مجموعة كلها، هذه العزة لله وعزة الرسول وعزة المؤمنين، وهذه عزة الله غير عزة الرسول وعزة المؤمنين.
ووصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالقوة فقال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٧ - ٥٨]، {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:٧٤] ووصف بعض المخاليق بأن لها قوة فقال: {الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:٢٦] {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:٥٢] {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم:٥٤].
إذاً: نلاحظ الآن أنه مهما قسم المتكلمون الصفات، فإن هناك صفات لله في هذه البنود التي قسموها ثابتة لله وثابتة للمخاليق، وهذا من بليغ تقسيمه رحمه الله ورده عليهم.
وكذلك الرأفة والحلم والرحمة تثبت لله: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:٧] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
ووصف الله نفسه سبحانه وتعالى بالمغفرة: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٧٣] ووصف أيضاً بعض المخاليق بأنهم يغفرون: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ} [البقرة:٢٦٣] {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية:١٤].