الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، وأعلم العلماء بكتاب الله والسنة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: كان شيخكم -رحمه الله تعالى- كريماً سخياً، يعطي من طلب، ولا يكاد يرد من سأل، ولم يكن يأكل وحده، فكان كثير الضيوف، ولا يأكل إلا ومعه أناس على مائدته، ولما مرض قال لنا مرة ونحن في مجلسه وقد حضر الطعام: تفضلوا أنتم وأنا اسمحوا لي.
كان يعطي من طلب، ورأيته أعطى لباسه -بشته- من سأله إياه في مجلسه، متعه الله بعقله، فلم يصبه زوال ولا خرف ولا تغير، وبعض النسيان الذي حصل له لكبر السن لم يؤثر على مقدرته في الإفتاء واستحضار الأدلة، والتركيز والفهم، مع أنه دخل في التسعين، وقد سألته قبل أيام من موته عن امرأة ماتت وعليها سعي لم تأت به هل يقوم به ولدها عنها؟ فقال: الموت ما منه حيلة، ولولدها أن يسعى عنها، كما له أن يحج عنها -ثم وقف، ثم قال:- ولكن يجب أن يكون محرماً بنسك عند سعيه عنها.
فقلت له: مثل أن يحرم بعمرة ثم يطوف ويسعى لنفسه وقبل أن يقصر شعره يسعى عن أمه؟ فقال: أو قبل أن يأتي بعمرته وبعد الإحرام هذه الدقة وهذا الانتباه للسؤال، وفي الجواب لازمه ذلك إلى آخر عمره، عمل حتى آخر أنفاسه.
وكانت دروسه مستمرة حتى أيام مرضه، ودرس الفجر يوم الخميس يزيد على ثلاث ساعات، عمل (٥٨) سنة ولم يأخذ إجازة واحدة، وكان لا ينام في يومه إلا أربع إلى خمس ساعات، وبقية ذلك في العبادة ومصالح المسلمين.
هذا الإنسان كيف يجد وقتاً لمعصية الله؟؟ من استعمله الله في طاعته من هيأ له هذا الأمر من أدخله في هذه العبادات وحوائج الناس والتدريس الفتيا كيف يجد وقتاً للمعصية.
وقد كان مستحقاً للتقاعد منذ عشرين عاماً بكامل الراتب، ولكنه استمر لخدمة الإسلام ونصرة الدين، ومعنى ذلك أنه عملها بدون أي مقابل.