ورجل العقيدة يدعو إلى مذهب أهل السنة والجماعة؛ وهم الوسط بين الأطراف، والحجة عند الخلاف، المتفقون على العقيدة عبر الأزمان، ورجل العقيدة يُصحح معتقدات العامة، فإن كثيراً من العامة عندهم خرافات وشعوذات ومعتقدات باطلة، وهذه قصة تُبين لنا كيف كان العلماء يصححون معتقدات العامة الخاطئة؟ كان نعمان بن محمود الآلوسي رحمه الله جوزي زمانه في الوعظ والتذكير، فكان في كل سنة يجلس في شهر رمضان للوعظ في أحد المساجد الواسعة، فيُقصد من أطراف الأماكن حتى يغص المكان بالمستمعين، فاتفق له في رمضان سنة (١٣٠٥هـ) أن استطرد في مجلسٍ من مجالسه بحث سماع الموتى، فذكر ما قاله أهل العلم في كتبهم الفقهية من عدم سماع الموتى كلام الأحياء، فقام حشوية بغداد وأنكروا عليه هذا العزو، وأثاروا أفراد جهلة العوام كما هي عادتهم في كل زمان ومكان، وكادت تقع فتنة تسود وجه التاريخ، ولكنه بدهائه وحلمه سكن ثائرتهم، فجمع في اليوم الثاني كل ما لديه من كتب المذاهب الأربعة وارتقى كرسي الوعظ، وقد احتشدت الجموع، فأعاد البحث وصدع بالبيان، ثم أخذ يتناول كتاباً كتاباً فيتلو نصوص العلماء ثم يرمي بها إلى المستمعين ويصرخ: هؤلاء علماؤكم، فإن كنتم في ريبٍ فدونكموهم وناقشوهم الحساب.
حتى إذا فرغ نهض واخترق الجموع الثائرة غير وجلٍ ولا هياب، فأقبلوا عليه يقبلون يديه ويعتذرون إليه من قيامهم بتحريك المرجفين وفريق المقلدة الجامدين، فكان ذلك سبب تأليف رسالته المشهورة: الآيات البينات في حكم سماع الأموات.