للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة الحقوق الزوجية]

من الأمور كذلك معرفة الحقوق الشرعية لكل منهما، فإن بعض الناس يدخل في الزواج وليس عنده علم بالحقوق الشرعية لزوجته، وبعض النساء تدخل في الزواج وما عندها علم بالحقوق الشرعية لزوجها، فلا يعرف كل واحد منهما ما حق الآخر عليه؛ ولذلك يحصل الخصام والنكد والمشاجرات التي لو كانت الحقوق الشرعية واضحة لما حصلت، وكذلك فإنه لو علمت الحقوق الشرعية لما حصل بين الزوج وزوجته كثير من المشكلات.

عن عبد الله بن عمرو قال: (زوجني أبي امرأة من قريش -بالمناسبة نساء قريش هن أصلح النساء بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم أحناهن على ولد في صغره، وأرعاهن لما في ذات يد الزوج، خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش- فلما دخلت عليَّ جعلت لا أنحاش لها -أنحاش: مأخوذ من التجمع والجمع أي: لا أقربها- مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كنته -الكنة هي زوجة الابن- حتى دخل عليها -وهذا فيه فائدة تفقد أبي الزوج لزوجة ولده بعد الدخول؛ لأنه قد يكون هناك خلل يستطيع أن يساعدها في حله- فقال لها: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير الرجال أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفاً -ما كشف ستراً ولا جانباً هذا تلميح دقيق ناتج من فطنة عظيمة، قالت: خير الرجال ولدك، هذا أحسن الرجال لكنه لا يفتش لنا كنفاً- ولم يعرف لنا فراشاً، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص: فأقبل عليَّ -أي: أبي- فعاتبني وعضني بلسانه -أي: عنفني ووبخني- فقال: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب وفعلت وفعلت -فعلت ببنت الناس وتركتها بغير حق الفراش- ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني، فأرسل إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقال: أتصوم النهار؟ قلت: نعم.

قال: وتقوم الليل؟ قلت: نعم.

قال: لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام -وهو صلى الله عليه وسلم يعاشر النساء- ثم قال لي: فمن رغب عن سنتي فليس مني، قال: اقرأ القرآن في كل عشرة أيام، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: فاقرأه في كل ثلاثة أيام، ثم قال: صم في كل شهر ثلاثة أيام، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل يرفعني حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً فإنه أفضل الصيام وهو صيام أخي داود، وقال له: إن لكل عمل شرة -أي: نشاط وقوة- ولكل شرة فترة -أي: هبوط وانحدار، فإما إلى سنة وإما إلى بدعة- فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك).

قال مجاهد: كان عبد الله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ثم يفطر بعدد تلك الأيام، أي: يصوم سبعة متوالية ثم يفطر سبعة، وكان يقول: [لئن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ].

فالشاهد من القصة كيف أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان من اجتهاده في العبادة لا يعطي زوجته حقها حتى حصل ذلك التنبيه.

وكذلك قال سلمان الفارسي لـ أبي الدرداء لما رأى أم الدرداء متبذلة وشكت له زوجها، قال: (إن لأهلك عليك حقاً) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم.