للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة وجوب الحجاب من الكتاب والسنة]

إن أدلة حجاب المرأة في القرآن والسنة أكثر من أن تذكر، وأعظم من أن يحاط بها، قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:٣٣] {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:٣١] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (المرأة عورة) لم يستثن منها شيئاً صلى الله عليه وسلم، وهذا هو النص المحكم الجامع للأمور، ومن فقه هاتين الكلمتين فقط (المرأة عورة) لم يحتج بعد ذلك إلى دليل آخر لحجب بدن المرأة كاملاً وجهها وشعرها وكفيها وقدميها وسائر بدنها.

وقد أمر الدين بستر العورات أمر وجوب لا محيد عنه، وقد ورد في تطبيق صحابيات المؤمنين وأمهاتهم ما يدل دلالة قطعية على وجوب تغطية جميع البدن بما فيه الوجه أمام الرجال الأجانب جاء في صحيح الإمام البخاري في حديث الإفك الطويل المشهور وفيه: (وكانوا في سفر في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت عائشة لتقضي حاجتها، وتبحث عن عقد لها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير الجيش، فأخذوا بهودج عائشة ليرفعوه على البعير، ولم تكن موجودة داخل الهودج لذهابها، فأخذوا برأس البعير وانطلقوا به، ورجعت إلى العسكر، وما فيه من داعٍ ولا مجيبٍ، قد انطلق الناس، قالت رضي الله عنها: فتلفعت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني، إذ مرَّ بي صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه، وكان امرءاً يثقل عليه النوم، فيستيقظ متأخراً -ولأجل ذلك كان يستفاد منه أنه كان يسير وراء الجيش يتفقد الأغراض الضائعة، فيحملها لأصحابها في الجيش- تقول: إذ مرَّ بي صفوان بن المعطل السلمي، وكان قد تخلف عن المعسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادي، فأقبل حتى وقف عليَّ فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل أن يفرض علينا الحجاب مرت فترة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين كان الحجاب غير واجب، وهذا من حكمة الله في التدرج في التشريع.

قالت: وكان قد رآني قبل أن يفرض الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه -أي: وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون- فخمرت وجهي بجلبابي).

احفظوا هذه العبارة لكي تضعوها سهماً تخزقون به أعين دعاة التحرر والسفور والتبرج، الذين ما فتئوا يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا بجميع الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، اجعلوا هذا النص من عائشة سهماً تخزقون به عيونهم، قولوا لهم: إن عائشة قالت في صحيح البخاري: إن صفوان كان قد رآها قبل آية الحجاب، وفي غزوة بني المصطلق في حادثة الإفك، قالت عائشة لما عرفت بوجود صفوان: فخمرت وجهي بجلبابي؛ دلالة على أنها تفهم تماماً وجوب تغطية وجهها.

وكذلك فإنه عليه الصلاة والسلام قد أمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة أسألكم بالله لو كان كشف الوجه جائزاً فلماذا يأمره بالذهاب والنظر إلى وجهها؟ أفلا ينظر إليها في الشارع؟ أفلا ينتظرها حتى تخرج من البيت فيسير مقابلاً لها ليرى وجهها؟ فلماذا يقول عليه الصلاة والسلام: (اذهب فانظر إليها)؟ فإن قلت: يقصد الشعر والذراعين.

أقول لك: إنه عليه الصلاة والسلام قال: (اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) أي: إن أعين نساء الأنصار كان فيها شيء من الصغر، فقال: (اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) وأين العينين؟ هل هن في الشعر أم في الذراعين أم في القدمين أم في المؤخرة؟ إن العينين في الوجه.

ولماذا كان بعض الصحابة يختبئ للمرأة التي يريد خطبتها حتى يراها وهي غير عالمة؟ ولو كان كشف الوجه جائزاً فلماذا يختبئ؟ لماذا يكلف نفسه عناء الاختباء؟ كان عليه أن يسير في الشارع فينظر إليها.

إذاً: كان الوجه يجب ستره، كذا فهمن، وكذا عملن.

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: (اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكما) فأتيت امرأة من الأنصار، فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهما كرها ذلك -أي: أن يطلع هذا الرجل على ابنتهما في البيت- قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها، فقالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، اكشف الغطاء وانظر إليَّ، وإلا فأنشدك -غلظت عليه- إن كان لم يأمرك، فإني أحرج عليك النظر.

قال: فنظرت إليها، فتزوجتها، ثم ذكر من موافقتها -أي: من طوعها- لزوجها وحسن تعاملها معه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: نساءٌ كاسيات عارياتٌ، مائلاتٌ مميلاتٌ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا، العنوهن فإنهن ملعونات).

وهذه روايات صحيحة.

كيف تكون المرأة كاسية عارية؟ كيف تكون لابسة وفي نفس الوقت غير لابسة؟ يكون ذلك بأحد أمور ثلاثة: أولاً: إما أن يكون الثوب الذي تلبسه قصيراً لا يستر جميع البدن.

ثانياً: أن يكون شفافاً غير سميك، ولو كان طويلاً، ولو كان كاملاً، لكن يكون غطاء الوجه -مثلاً- شفافاً لا يستر، فتكون كاسيةً عاريةً.

ثالثاً: أن يكون الحجاب ضيقاً غير فضفاض، فيجسد جسدها، ويبين تقاسيم بدنها.

عباد الله: انظروا اليوم إلى نساء المسلمين وهن خارجات من بيوتهن في الشوارع والأسواق، وفي السيارات انظروا إليهن كم بالمائة منهن يدخلن في هذا الحديث؟ (كاسيات عاريات لا يجدن ريح الجنة).

أيها الناس: إن المرأة التي تسير في الشارع؛ سواء كانت زوجة، أو أختاً، أو أماً، أو بنتاً، أو جارة، فإنها تدخل في مسئوليتك أنت، وإني أهيب بك -أيها المسلم- ألَّا تجعل هذه المرأة محرومة من رؤية الجنة، ووجود ريح الجنة، أهيب بك أن تأخذ عليها، فتأمرها بالستر.

لقد كن الصحابيات حريصات كل الحرص على ستر العورة، وهذا حديث المرأة السوداء المصروعة، فيه دلالة قاطعة على ما نذكر عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف- فيها جني يدخل بها ويصرعها، فيسبب لها انكشاف عورتها- فادع الله لي أن أبرأ من الصرع.

فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت صبرت ولك الجنة -على هذا الصرع- وإن شئت دعوت الله عز وجل أن يعافيك، فلما وازنت المرأة بين الأمرين، قالت: أصبر، ولكني أتكشف، وفي رواية: إني أخاف الخبيث أن يجردني- أي: الشيطان الذي بداخلها، ابتلاء- فادع الله ألَّا أتكشف.

فدعا لها) رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: (خير نسائكم الودود الولود المواتية- التي تطيع زوجها- المواسية- التي تواسيه- إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات -وهن المنافقات- لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) هل رأيت غراباً قدماه حمراوان ومنقاره أحمر، إنها فصيلة نادرة جداً من الغربان، فإن الغربان سوداء خالصة، وهذا النوع من الغربان نادر.

إذاً: نسبة دخولهن في الجنة كنسبة وجود الغراب الأعصم بين الغربان.

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: [كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعةً ثوبي- بعد موتهما كانت تدخل الحجرة التي كانا فيها واضعةً ثوبها- وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر رضي الله عنه والله والله والله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه].

أين عمر؟ إنه تحت الأرض، ولكنها تستحي، وهذا أثر صحيح.

أيتها النساء في البيوت! أخاطبكن من هذا المنبر، عائشة تستحي من عمر، وعمر تحت الأرض، فلا تدخل الحجرة إلا وثيابها مشدودة عليها، وكثير منكن يخرجن إلى الشوارع والأسواق أمام الناس الذين لا يساوون شيئاً بجانب عمر وهو حي وهم أحياء، ويشاهدنك وأنت متبرجة متهتكة سافرة، وإن لبست حجاباً فإنه يكون مزركشاً أو مطرزاً -قاتل الله الذين يستوردون هذا النوع من الحجاب ويبيعونه في الأسواق، وقاتل الله من يشتري لزوجته مثل هذا، وقاتل الله المرأة التي تلبس مثل هذا- وأنتم ترون بأنفسكم الآن -أيها الإخوة- هذه الخُمر التي يزعمون أنها خُمر مطرزة من جوانب الخمار مزركشة يلبسنها هكذا فوق الرأس مستديرة، ويزعمن أنها حجاب، وأصناف أخرى بغير حجاب ألبتة.

أيها الناس أيها المسلمون عباد الله: اتقوا الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].

عائشة ومن معها كن إذا مرَّ بهن الركبان من الرجال، وهن ذاهبات في سفر الحج والعمرة، إذا مرَّ بهن الرجال أسدلت إحداهن جلبابها وخمارها على وجهها، إذا حاذين الرجال في السير؛ حتى لا يرى الرجل شيئاً من تلك المرأة مطلقاً.

وهذه قصة سجلها التاريخ بمداد من الذهب لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الري سنة (٢٨٦هـ)، فادعت على زوجها صداقاً قيمته خمسمائة دينار، وقالت: لم يسلمه إلي، فأنكر الرجل، فجاءت المرأة ببينة تشهد لها بالصداق، فقال الشهود: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا؟ والنظر إلى وجه المرأة من قبل الرجل الأجنبي يباح في حالات الضرورة، كالخطبة والشهادة في المحكمة، فإنه يضطر أحياناً إلى معرفة هل المرأة التي تقدمت للمحكمة فلانة أم لا؟ ثالثاً: التطبيب ورؤية الطبيب لشيء في وجه