[من صفات المستشار: أن يكون سليم الفكر من الهموم والغموم]
فلو استشرت إنساناً مغموماً وفكره مشغول بأشياء، فهل تتوقع أن يعطيك إشارة واستشارة صحيحة؟ كان كسرى -هذه من الحكم تؤخذ حتى من الكفار- إذا دهمه أمرٌ بعث إلى مرازبته -وهم الأمراء الكبار وأهل الرأي- فاستشارهم، فإن قصروا في الرأي، أي: لم يعطوه الرأي الصحيح، ضرب قهارمته -وهم القائمون على الأموال- لماذا؟ لأنهم لم يعطوهم أرزاقهم، وكان يقول لهم: أبطأتم بأرزاقهم فأخطئوا في آرائهم، ولو أعطيتموهم الأموال التي يحتاجوها لما جلس واحدهم مهموم يفكر من أين يسترزق، فانشغل همه بتحصيل المال والرزق، فصارت آراؤه ليست سديدة.
ولذلك يقال: إن حارثة بن زيد مرَّ بـ الأحنف بن قيس، فقال: لولا أنك عجلان لشاورتك في بعض الأمر، فقال: يا حارثة أجلّ.
وكانوا لا يشاورون الجائع حتى يشبع، والعطشان حتى ينقع، والأسير حتى يطلق، والمضل حتى يجد، والراغب حتى يمنح.
وقيل: لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها، ولا جائعاً.
وقالوا: لا رأي لحاقن ولا لحازق، ومن هو الحازق؟ هو الذي ضغطه حذاؤه فهو يؤلمه، فطالما وهو يمشي ذهنه مشغول بضيق الحذاء، ولذلك هذا لا يصلح لأن يستشار، لأن ذهنه مشغول بالحذاء، والحاقن هو: الذي يجد شيئاً في بطنه، مثل الغازات أو الألم أو شيء من هذا القبيل، فهذا الذي في بطنه هذا الشيء لا يعطيك الرأي الصواب؛ لأن ذهنه مشغول بشيء آخر.