وسمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأنه يعود بالفرح والسرور، ويعود الله فيه بالإحسان على عباده على إثر أدائهم لطاعته بالصيام والحج، فإذاً هذان العيدان مرتبطان بعبادتين عظيمتين الصيام والحج، وعيد الفطر لزوال المنع من المباحات من الطعام والشراب والنكاح، والدليل على مشروعية صلاة العيد قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:٢] وقال سبحانه وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:١٤ - ١٥] فذكر الله العيدين في هاتين الآيتين: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:٢] هذا عيد الأضحى، صلّ وانحر بعد الصلاة {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى:١٤] أي: زكاة الفطر على أحد الأقوال، و {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:١٥] أي: بعد زكاة الفطر وهي صلاة عيد الأضحى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده يداومون عليها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لصلاة العيدين، وقالت المرأة وهي أم عطية رضي الله عنها:[كنا نُؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيَّض فيكنَّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته] رواه البخاري رحمه الله تعالى، وهذا يبين التأكيد على مشروعية صلاة العيد وهي التي ذكر عددٌ من العلماء أنها واجبة، وهم قد ذكروا حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال: فقال بعضهم: إنها واجبة، يأثم من لم يحضر صلاة العيد؛ لأنه إذا كانت النساء اللاتي يطلب منهن القرار في البيوت قد أمرن بالخروج فالرجال من باب أولى، وأن هذا فيه دليلٌ على وجوب الخروج وأنه فرض عينٍ لنص الآية عليه، وللأمر به في الكتاب والسنة، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرضٌ على الكفاية، إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى بأنها فرض كفاية.
وذهب بعضهم وهم المالكية والشافعية إلى أنها سنة مؤكدة لقوله في حديث الأعرابي:(هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) ورد القائلون بالوجوب: إن حديث الأعرابي على صلوات تتكرر في اليوم والليلة ماذا يجب منها؟ قال: خمس صلوات أما وجوب صلاة أخرى لسبب يعرض مثل صلاة العيد، فإنه لم يكن متطرقاً إليه في حديث الأعرابي، وبما أننا أمرنا به وأمرت النساء بالخروج فإنه يكون واجباً، وقالت حفصة بنت سيرين: كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله أعلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلبابٌ ألا تخرج فقال: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) يعني لو لم يكن عندها جلباب تأخذ جلباب صاحبتها، قالت حفصة: فلما أتيت أم عطية فسألتها: أسمعت في كذا وكذا، قالت: نعم بأبي -وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي- وقال:(ليخرج العواتق) والعواتق جمع عاتق وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ، أو قال:(العواتق ذوات الخدور والحيَّض) وتعتزل الحيَّض المصلى وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، قالت: فقلت لها: الحيَّض؟ قالت: نعم أليس الحائض تشهد عرفاتٍ وتشهد كذا وتشهد وكذا، رواه البخاري رحمه الله.
إذاً الخروج لصلاة العيد مؤكد، والنساء مأمورات به يخرجن على الوجه الشرعي، وخروج المرأة على الوجه الشرعي يعني ألا تكون متطيبة ولا لابسة لثياب زينةٍ أو شهرة لقوله عليه الصلاة والسلام:(وليخرجن تفلات -يعني غير متزينات- ويعتزلن الرجال، ويعتزل الحَّيض المصلى).