للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استغلال نقطة الحنين إلى الماضي]

ومن الأمور المعينة على العلاج التي يجب أن يتنبه لها: أن كثيراً من هؤلاء المنتكسين في كثيرٍ من الأحيان يكون له نوع حنينٍ من الماضي، مهما كان هذا الرجل، ومهما تغير وساءت أحواله فإنه في الغالب يكون له نوع حنينٍ إلى الماضي وإلى رفقته الطيبة السابقة، وقد يحدث نفسه بالرجوع ولكن قد يسوف يقول: فيما بعد، أنا ناوٍ أن أرجع، أنا سوف أعود أنا سوف، وقد تمنعه اعتباراتٌ شخصية من ذلك، نضرب مثالاً حدث: هذه الرواية الله أعلم بصحتها ولها أسانيد فيها الواقدي، والواقدي متروك عند علماء الحديث، لكن لها أكثر من طريق الله أعلم بصحتها ولكنها مشهورة في كتب التاريخ، وساقها ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية بعدة طرق: هذه قصة جبلة بن الأيهم: وكان من ملوك النصارى في جزيرة العرب، جاء وأسلم ويقال: إنه كان يطوف بالكعبة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء رجل من فقراء المسلمين فوطئ على إزار أو رداء جبلة بن الأيهم، فـ جبلة ملك هو يرى نفسه ملكاً من الملوك فكيف يطأ هذا الفقير الصعلوك على إزاره، فلطمه لطمة ذهبت بعينه أو بأنفه، فرفع الأمر إلى عمر فقال عمر: لا بد من القصاص لا بد من القصاص، قال: كيف يقتص مني لهذا الصعلوك؟ فـ عمر قال: هذه شريعة الله، قال جبلة: آتيك في الصباح فيقال: إنه في الليل جمع أصحابه وكان أتى في حاشية وسرى بهم في الليل وهرب، وارتد عن دينه وذهب إلى ملك الروم فاستقر عنده، وأكرمه ملك الروم وأغدق عليه وأعطاه أشياء كثيرة، هذا الرجل قيل وردت عنه أبيات تبين لنا نفسية مثل هذا الشخص، لأن تحليل النفسيات وفهم النفسيات في مثل هذه الحالة مهمة جداً، يقول وهو يعترف بخطئه وندمه، يعبر عن حالته بهذه الأبيات:

تنصرت الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني فيها اللجاج ونخوة وبعت بها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى القول الذي قاله عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر

ويا ليت لي بـ الشام أدنى معيشة أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

أدين بما دانوا به من شريعة وقد يصبر العود الكبير على الدبر

الرجل هذا يتحسر ويتندم ويقول: يا ليتني كنت راعي غنم، يا ليتني كنت خادماً، يا ليتني كنت ذاهب السمع والبصر، فقط أني أعيش في ديار المسلمين وأدين بما دانوا به من الشريعة، وقد يصبر العود الكبير على الدبر؛ الدبر وهو مرض يصيب الحيوانات في ظهرها، والحيوان الكبير طبعاً ليس له إلا الصبر على هذا المرض الذي إذا جاء في ظهره، يعني يقول: يا ليتني ما فعلت الذي فعلت، وأخذت قول عمر، ويا ليتني رجعت إلى الحق، كثيرٌ من الناس الذين يتراجعون وينكصون نفسياتهم شبيهة جداً بنفسية جبلة بن الأيهم، ولكن يمنعهم من العود اعتباراتٌ شخصية لا بد من مراعاتها وإزالتها، ولو قدر الله سبحانه وتعالى أن هذا الشخص عاد مرة أخرى واستجاب للعلاج فإن من الأمور المهمة في بداية عودته أشياء مهمة جداً: إظهار الفرح باستقباله وعودته، وعودة العلاقات الطبيعية معه إلى الوضع الطبيعي جداً، وعدم إظهار أي نوعٍ من التغيرات، أو إعادة البحث فيما مضى من صفحته السوداء، وذلك كي ينسى تلك الفترة وتطوى طياً بالكامل، ولكن لو قدر الله أن الرجل يستمر في انتكاسته وفي ضلاله ويستمر على الباطل الذي هو عليه ويتردى، فلو قضى الله عليه بذلك فلا يمكن لو حاول جنود الأرض والسماوات أن يعيدوه على ما كان عليه فلا يعود.

الله عز وجل يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:٢٣] قسم الله الخلق إلى أشقياء وسعداء وكتب الكتاب وقدر الأقدار وانتهى الأمر، قد لا يعود برغم جميع الجهود التي تبذل، وهنا يكون وضعه درساً وآية من آيات الله يخوف الله بها عباده المؤمنين على أنفسهم أن ينكصوا وأن يتراجعوا ويسقطوا.