[سماع الشيطان]
وأما السماع المقابل لسماع القرآن فهو سماع الشيطان؛ وهو الغناء الذي ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، فإنه ما اعتاده أحدٌ إلا نافق قلبه وهو لا يشعر، وما اجتمع في قلب عبدٍ قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى.
يقول ابن القيم رحمه الله: "ولقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، وتبرمهم به -يتبرمون بسماع القرآن- وصياحهم بالقارئ إذا أطال عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرأ، فلا تتحرك ولا تخشع، فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله! كيف تخشع الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئن، ويقع طِيب السَّهر، وتمنّي طول الليل.
أيها الإخوة: إن كثيراً ممن ابتلي بسماع الأغاني يسهرون الليالي، ويَطرَبُون في سماع تلك الأغاني.
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفةً لكنه إطراق ساهٍ لاهي
وأتى الغناء فكالذباب تراقصوا والله ما رقصوا من أجل الله
دف ومزمار ونغمة شاهد فهل شهدت عبادةً بملاهي
ثقل الكتاب عليهموا لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي
لماذا لا يحبون سماع القرآن؟ لأن القرآن يمتلأ بالأوامر والنواهي، والنفس تريد الخفة لا تريد أوامر ونواهي وتقييدات تكاليف، تريد أن تنتشي، وأن تخفَّ من هذه الأشياء وتنطلق وتتحرر، ولذلك يسمعون الأغاني أكثر مما يسمعون القرآن.
فانظر إلى النشوان عند شرابه وانظر إلى النشوان عند تلاهي
فاحكم بأي الخمرتين أحق بالـ تحريم والتأثيم عند الله
النشوة الحاصلة بالخمرة، النشوة الحاصلة عند سماع الأغاني؟ ولأنه ليس موضوعنا -أيها الإخوة- الكلام عن الغناء فنكتفي بهذا القدر، وإلا فإنَّ أثر الغناء في نفوس العصاة اليوم أثر عظيم يستخف به العصاة، وهو يدمِّر نفوسهم تدميراً، ويسد عليهم الطرق لسماع كلام الله والتأثر به، ولذلك فإن الله عوض أهل الجنة الذين امتنعوا عن سماع الملاهي في الدنيا بسماع أغاني الحور العين يوم القيامة في الجنة، فإن الحور العين ليغنيِّن أزواجهم أغاني جميلة جداً لا تقارن بأغاني أهل الدنيا، فمن امتنع عن سماع الأغاني في الدنيا فسيعوضه الله بسماع أغاني الحور العين يوم القيامة، كما أن من امتنع عن شرب الخمر في الدنيا فسيعوضه الله بشرب خمرة لا كخمر الدنيا يوم القيامة، ومن امتنع عن لبس الحرير ممن حُرِّم عليه في الدنيا فسيعوضه الله بلبس الحرير يوم القيامة، ومن امتنع عن الزنا في الدنيا فسيعوضه الله بالحور العين يوم القيامة، وبالزوجات الصالحات، وبالقدرة على الجماع حتى أنَّ أحدهم يُعطى قوة مائة رجل.
أيها الإخوة: لا تظنوا أنكم إذا حرمتم أنفسكم اليوم من شيء من المحرمات التي حرمها الله أن ذلك سيضيع، قال الله عن أهل الجنة: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم:١٥]، يحبرون أي: يسمعون سماعاً طيباً.
نسأل الله أن نكون من أهلها.
اللهم اجعلنا من أهل الجنة، وأعلِ مراتبنا فيها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.