للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضعف الإيمان]

أما التنافر أيها الإخوة: فإنه يكون بأسباب، منها: ضعف الإيمان، ولذلك تجد أنه لو التقى أخوان شابان مثلاً، اثنان أو اثنتان في وسطٍ واحد فحدث بينهما تنافر، فإن هذا التنافر وهذا الكره الذي يقوم في نفس كل واحدٍ منهما، أو نفس واحدٍ منهما له أسباب، فأنت عندما تنفتح على مجموعة من الناس، تدخل مثلاً مركزاً من المراكز الصيفية، أو مدرسةً من المدارس، أو مجتمعاً من المجتمعات، فإنك تحس بالقرب من أناس، وبالابتعاد من أناس آخرين، بعض الناس لأدنى سبب من أسباب الابتعاد فإنه يهجر أخاه، ولا يبالي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث) فهناك الآن من الناس من يحسب على قائمة المتمسكين بهذا الدين، قد هجر أخاً له أو صاحباً ليس في ذات الله، وإنما لهوىً يحدث في نفسه.

فمثلاً: يحدث بينهما اختلاف في وجهة نظر حول قضية من القضايا مثل: كيف نطبق أمراً من الأمور، أو كيف نسلك سبيلاً لحل مشكلةٍ ما، فيكون هذا الخلاف في الرأي مفسداً للود، مفرقاً لهذا الإخاء الذي من المفترض أن يكون في النفوس، مع أن السبب تافه في بعض الأحيان، لكنه يولد مفسدة عظيمة من الفرقة والاختلاف.

أحياناً -كما قلت- يكون السبب ضعف الإيمان في نفس أحدهما أو كلاهما، الأرواح جنود مجندة، وأهل الإيمان يلتقون وينجذبُ بعضهم إلى بعض، ولو لم يعرف بعضهم بعضاً، أليس يحدث هذا أيها الإخوة؟! أحياناً في موسم الحج مثلاً، تلتقي بأخٍ لك من الباكستان أو من الهند أو من إندونيسيا، أو من ليبيا أو من أوروبا، فيحدث أثناء الكلام انجذابٌ فيما بينك وبينه، بسبب الأخوة الإيمانية الحاصلة.

فإذا ضعف الإيمان عند أحدهما فإنه لن ينجذب إلى الآخر الذي قوي إيمانه في بعض الأحيان، وأحياناً قد يحبه من باب أنه يستفيد منه، أو يقتدي به، أو أنه يجده ضالاً ومنقذاً له من حمأة المجتمع السيئ الذي يعيش فيه، ومن لاحظ أن بينه وبين أخيه نوعاً من التنافر، فعليه أن يبحث على السبب ما هو؟ قد يكون الضعف في الإيمان هو الذي أدى إلى هذا التنافر بينهما، لو قوي الإيمان لارتفع هو وأخوه فوق مستوى الخلافات في الآراء، وفوق مستوى النزغات التي ينزغها الشيطان، لذلك الله عز وجل يقول: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:٥٣].

من الأسباب مثلاً: سوء الظن، فترى الواحد من هذين الأخوين عندما يرى تصرفاً من أخيه يقول: هذا ما عنى بالتصرف إلا ليضرني، هذا ما تقدم عليّ بالكلام في المجلس إلا لكي يعزلني على جنب، ويستلم هو صدارة المجلس، ويكون هو المتحدث الرسمي باسم الدين مثلاً في ذلك المجلس، ويقول: أخذ علي الوقت كله، ولم يترك لي فرصة للكلام؛ يريد أن يجعلني إنساناً لا قيمة له بين هؤلاء الجالسين، وقد يكون الشخص الأول قصده غير ذلك.

رأى نفسه منطلقاً في الكلام، ورأى الحاضرين تأثروا بكلامه، فجلس يتحدث ويتكلم ولم يخطر بباله لحظة واحدة، أنه يقصد بإطالة الكلام أن يجعل ذلك الشخص معزولاً منبوذاً عن هذا المجلس، فيأتي الشيطان فيسول لهذا الشخص، ما قصد بهذه الحركة إلا كذا، وهذا كثير.

مثلاً: يحدث تصرف من التصرفات؛ كلمة يقولها واحد لآخر، فيسمعها الشخص المقصود الذي يسيء الظن، فيفسرها كل التفسيرات السيئة إلا التفسير الحسن الذي قد يكون هو القريب من الواقع فعلاً، ولذلك نبه الله عز وجل المؤمنين إلى هذه المسألة في سورة الحجرات، فقال الله: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢].

لأن هناك ظناً شرعياً مثل: غلبة الظن الذي تبنى عليه كثيرٌ من الأحكام الشرعية، مثل أن الإنسان عندما يرجح في الصلاة أن التي صلاها أربعاً وليست ثلاثاً، فإنه لا يأتي بركعةٍ زائدة، وإنما يعتمد على ما غلب على ظنه من رجحان أن تكون التي أتى بها هي الركعة الرابعة فلا يزيد، وهذا ليس موضوعنا، موضوعنا عن ظنٍ سيئ يقوم في بعض النفوس كتفسيراتٌ سيئة لبعض الكلمات والتصرفات، تسبب التنافر والابتعاد.