للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال من تاب ثم انتكس]

هؤلاء أيها الإخوة! الذين يتخلفون والذين يتركون طريق الاستقامة أحوالهم أحوالٌ وأنواع، فمنهم من يعود فعلاً إلى ما كان عليه، وربما أكثر مما كان عليه؛ لأن التوبة تدفع إلى مزيد من الأعمال الصالحة، ومنهم من يعود ثم يرجع ثم يعود ويرجع وهكذا، ومنهم من يتمنى العودة ولكنه لا يعود، ومنهم من يذهب بغير عودة.

وهذا شخص يقول في إحدى أسئلته: لي زميلٌ كان مستقيماً ثم رجع إلى فسقه، فنصحته فيستقيم ولكنه يعود مرة أخرى وينكص ويتردى، ثم ينصحه مرة أخرى فيعود ولكنه لا يلبث أن يتردى، فهناك بعض الناس عندهم قضية (يرجع إذا ذكر، وبعد ذلك ينسى مرة أخرى، ثم يعود وينسى وهكذا).

وهذا آخر يقول: شابٌ في الخامسة عشرة من عمره يسير مع إخوة له صالحين؛ لكنه بين حينٍ وآخر تأتيه هفوات حتى أنه يتغير تغيراً مشيناً في مظهره وفي كلامه، ثم يعود ويصبح من أحسن الشباب الموجودين، هذا أحد الأسئلة التي جاءت مرة في مناسبة من المناسبات يقول: ثم يعود ويصبح من أحسن الشباب الموجودين، ثم يعود لأفعاله القبيحة ويتصرف تصرفات كأنه ليس شاباً مستقيماً على الإطلاق.

فإذاً هذه المرحلة التي تكون في سن الشباب المبكر، يقع منهم هذا التذبذب كثيراً، وترى أنه يستقيم وينتكس وهكذا، حتى يكبر ويكون عنده نوع من النضج فيستقر على حالٍ معينة، قد يستقر على الاستقامة وقد يستقر على الانتكاس.

وهذا آخر يقول: كنت شاباً ضائعاً وكتب الله لي الهداية على يد أحد الإخوان، وبعد مضي فترة من الزمن إذا بهذا الذي كانت هدايتي على يده قد انحرف، وكان السبب أنه قد ارتكب خطأً كبيراً، ولقد حاولت معه كثيراً ولكن دون جدوى، مع العلم أن أخي هذا حافظ لمعظم القرآن، وكان يعلم منه الصدق والإخلاص في دعوته، أرجو النصيحة.

وهذا آخر يقول: أحد أصحابي في يوم من الأيام ينصحني بترك المنكرات وعدم إسبال الثوب وغيره حيث إنه كان مستقيماً في ذلك الوقت، وقد تراجع وهو الآن يدخن، ويعزف العود ويغني ويمثل بلحيته، وأود أن أنبهه ليعود إلى الحق، ماذا يفعل؟! واحد يقول: هداني الله على يد هذا الشخص ثم هذا الشخص سافر إلى الخارج ورجع وهو متغيرٌ كلية وتارك للصلاة.

الانتقال من داعية إلى الله إلى كافر تارك للصلاة مرتد عن دين الله، ولذلك هذه قضية القلب قضية خطيرة، والله عز وجل مقلب القلوب، وقد ذكرنا لكم قصة ذلك الرجل الذي وصل إلى مستوى كبير من العلم ولكن أضله الله عز وجل على علمه، فإذاً هذا شيء يدفع الإنسان فعلاً أن يفتش في نفسه، وأن يتحسس، وأن يحاول أن يتخلص من جميع هذه الشرور والآفات التي قد تأتي في نفسه، ولذلك كان من الدعاء المأثور: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور) ما معنى الحور بعد الكور؟ يعني: إني أعوذ بك من النقصان بعد التمام والكمال، وهذا يحدث كثيراً.