للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف أحمد بن حنبل للشافعي]

قال أحمد رحمه الله يصف الشافعي: قدم الشافعي فوضعنا على المحجة البيضاء.

يقول عبد الله بن أحمد: جاء الشافعي إلى أبي زائراً وهو عليل يعوده - الشافعي يعود أحمد مع أن أحمد من تلاميذ الشافعي، لكن الشافعي رحمه الله كان يعود تلاميذه- فوثب أبي إليه، فقبل ما بين عينيه، وأجلسه في مكانه وجلس بين يديه، مع أن أحمد كان مريضاً، فلما قام ليركب، راح أبي فأخذ بركابه ومشى معه.

وكان أحمد رحمه الله حريصاً على مجلس الشافعي كثيراً، وعلى الجلوس إليه، وكان ربما يفوت مجالس علماء ومحدثين كبار كـ ابن عيينة من أجل أن يجلس عند الشافعي، حتى قال بعض أهل العلم: حججت مع أحمد بن حنبل فنزلت في مكان واحد معه، فخرج باكراً وخرجت بعده، فدرت المسجد فلم أجده في مجلس ابن عيينة ولا غيره، حتى وجدته جالساً مع أعرابي، فقلت: يا أبا عبد الله! تركت ابن عيينة وجئت إلى هذا؟ فقال لي: اسكت، إنك إن فاتك حديث بعلو وجدته بنزول، لو فاتك ابن عيينة -تأخذ حديث ابن عيينة من تلاميذ ابن عيينة - وإن فاتك عقل هذا -أي: الشافعي - أخافك ألا تجده، ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله من هذا الفتى، قلت: من هذا؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي.

وقال أحمد رحمه الله: كان الفقه قفلاً على أهله، حتى فتحه الله بـ الشافعي، وقال أحمد أيضاً: ما أحدٌ مس محبرة ولا قلماً إلا وللشافعي في عنقه منة، وقال أحمد أيضاً: لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث، فـ الشافعي له فضل على أهل الحديث بتبيان معاني الحديث، والناسخ والمنسوخ، والجمع بين الأحاديث المتعارضة، وكان بعض العلماء مثل يحيى بن معين يستغربون من إقبال أحمد على الشافعي، حتى أن يحيى بن معين -مرةً- بلغه أن الإمام أحمد مشى مع بغلة الشافعي فأرسل إليه يعاتبه، فأرسل أحمد رداً يقول لـ يحيى: لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك.

أي: لو مشيت أنت من الجانب الآخر من البغلة كان أنفع لك.

فـ الشافعي رحمه الله رزق منهجاً سليماً، وفكراً ثاقباً، وحصافة وفطنة، وكانت أصوله في غاية الجودة، فسهَّل على أهل الحديث كثيراً فهم الأحاديث، صحيح أنه ما كان واسعاً جداً في طلب الحديث وجمعه، ولكن إذا بلغه يعرف وجهه، وكثيراً ما كان يقول: إذا صح الحديث هذا فأنا أمشي عليه؛ لأنه لم يكن يعرف صحته في بعض الأحيان، ولكن من تجرده وإنصافه- كما سيأتي- أنه كان يتبع الحديث.