[أثر عدم استخدام السلاح حال الضعف]
لكن تعال معي ننظر في هذه الحادثة: روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه، عن يزيد التيمي قال: (كنا عند حذيفة فقال له رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت، قال له حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، في ليلة ذات ريحٍ شديدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا رجلٌ يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة، فلم يجبه منهم أحد، ثم الثانية ثم الثالثة مثله، ثم قال: يا حذيفة! قم فائتنا بخبر القوم، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ، قال: فمضيت، كأنما أمشي في حمام -مع أن الجو كان بارداً جداً- حتى أتيتهم، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار -وكان أبو سفيان مشركاً وهو قائد المشركين- لكي يتدفأ فوضعت سهماً في كبد قوسي وأردت أن أرميه ثم ذكرت -وهذه ثمرة التربية- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذعرهم عليَّ، قال حذيفة: ولو رميته لأصبته فرجعت كأنما أمشي في حمام) الآن ربما المشركون يتهيئون للرحيل والريح شديدة، لكن لو قتل زعيمهم، ربما تقوم لهم حمية فيذعرون وتحدث أشياء أخرى، وأنت إذا تأملت واقع المسلمين في مكة لعلمت بأن الحكمة كانت دائماً معهم في عدم استخدام القوة في المواجهة وليس هناك تكافؤ.
عمر رضي الله عنه لما قيل إنه قاتل المشركين في مكة، ولكن ما قاتلهم بالسلاح بل قاتلهم بيديه، فلم يزل يقاتلهم منذ غدوة حتى صارت الشمس حيال رأسه، قال: ورعي وقعد، فدخل عليه رجل؛ قيل: إن هذا الرجل هو العاص بن وائل السهمي دافع عن عمر ورد عنه القوم، قال عمر يومئذٍ: [يا أعداء الله! والله لو قد بلغنا ثلاثمائة لقد أخرجناكم منها] حديثٌ حسن، وصرح فيه ابن إسحاق بالتحديث.
فإذاً، هذا تقدير الموقف الذي أشرنا إليه كان أيضاً مع المسلمين دائماً في مخيلتهم لا يمكن أن ينسوه.
هذا الإسلام مسئولية وأمانة، ولا بد من نشره بالطريقة الصحيحة، ولا بد من استغلال الفرص لنشر هذا الدين، وهذه الأمانة تأبى وترفض من المسلم أن يتصرف فيها بأي شكلٍ كان لا يعود بالنفع على الإسلام، وفي كل مجتمعٍ متهورون، وهؤلاء طبقة نعلم أنه لا يمكن القضاء عليها مطلقاً، لكن يمكن التخفيف من شرهم بإسداء النصح لهم ومناقشتهم.
وقد يقول قائل: إن في بعض هذه الأعمال جوانب إيجابية؟ نقول: نعم، قد يكون ذلك فعلاً، فقد يكون في بعضها إرهابٌ للأعداء، أو ذهاب الشهداء إلى الله تعالى، لكن يبقى الخطأ خطأ، وإن كان فيه بعض الجوانب الإيجابية، فإن المفسدة إذا كانت أكبر من المصلحة غلبت المفسدة.
إذا أخطأ المخطئون فقلَّ من يخطئ في شيء فيه مفسدة مائة في المائة، لا بد من مصلحة ومفسدة، مصلحة من وجه ومفسدة من وجه، لكن المشكلة التي تحدث في تقدير هل المفسدة أكبر أو المصلحة؟ ولذلك قلنا: لا بد من مشاورة أهل العلم والحكمة والفضل ورجاحة العقل والبصيرة في هذا الأمر.
ولا بد أن نعود ونذكر أيها الإخوة بأن المستقبل لهذا الدين، وأن الله سبحانه وتعالى متمٌ نوره ولو كره الكافرون، وأن الله سيظهر هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون.
اللهم أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بنا يا رب العالمين، اللهم اجعل نصرة الدين على أيدينا، اللهم اجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة بالإسلام، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً بهذا الدين، اللهم من أراد للدين خيراً فوفقه إليه وكن يا مولانا عوناً له عليه، ومن أراد بدينك شراً فاردد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وهذه الأمانة أمانة الدين في أعناقكم، فاحملوه وادعوا إليه وقوموا بتربية أنفسكم على منهجه، وإياكم وسبل الشيطان الرجيم، واضبطوا أنفسكم بضوابط الحكمة في هذا الدين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.