ألم يأتكم نبأ الرجل المسلم الذي قال الله في شأنه:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً}[يس:٢٠ - ٢١] وسارع يدعوهم إلى التوحيد: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ}[يس:٢٣] أي: هذه الأوثان المعبودة، والأصنام المقصودة:{لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}[يس:٢٣ - ٢٥].
إن كل كلمة في هذه الآية لها معناها ومدلولها، وجاء رجل، أي: تحققت فيه صفات الرجولة بأجمعها: {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} ليس من مكان قريب، لم يحضر عندهم وإنما جاءهم من أقصى المدينة، وكيف جاءهم؟ هل جاءهم ببطء؟! جاءهم يسعى سعياً حثيثاً.
فلأي شيء جاء من أقصى المدنية وأتعب نفسه؟ جاء ليبلغ قومه دين الله عز وجل، يقول:{يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} كان حريصاً على هداية قومه، ولما مات تتابع حرصه عليهم بعد موته، سبحان الله! ولذلك قال لما قتلوه بعدما لقي الله:{قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:٢٦ - ٢٧] لا زال حريصاً عليهم، بعد موته وبعد انقطاعه عن الدنيا لا زال يتمنى أن قومه يعلمون ما لقيه من الله، وما غفر الله له، والإكرام الذي وجده عند ربه، إنه الحرص في قلب هذا الرجل على هداية قومه.