الشعور بأن هناك شيئاً فات والاندفاع إلى التعويض
وختاماً أيها الأخوة! في مسألة استدراك ما فات ينبغي أن ينتابنا شعوران: الشعور الأول: أن نشعر فعلاً أن هناك أشياء فاتت؛ لأن الذي لا يحس أن هناك أشياء فاتت سيندفع إلى ما هو أعظم؛ لأنه لا يشعر أنه قد فاته شيء، فلابد أن نحاسب أنفسنا ونعرف ماذا فاتنا في كل جانب من الجوانب؛ في طلب العلم، في الأخلاق، في الدعوة إلى الله، في بر الوالدين، في صلة الرحم، وهكذا ثم نستدرك ونبدأ بإصلاح الأوضاع.
الشعور الثاني: العزم والاندفاع للتعويض، إذاً الشعور الأول أن نحس أن هناك أشياء فاتت، الشعور الثاني العزم والاندفاع للتعويض، ونمثل للأول بأبيات، وللثاني بأبيات نختم بها هذا الدرس.
الأول الذي هو المحاسبة والشعور بأن هناك أشياء فاتت، قال الشاعر رحمه الله:
تفيض عيوني بالدموع السواكب ومالي لا أبكي على خير ذاهب
على العمر إذ ولى وحان انقضاؤه بآمال مغرور وأعمار ناكب
على غرر الأيام لما تصرمت وأصبحت منها رهن شؤم المكاسب
على زهرات العيش لما تساقطت بريح الأماني والظنون الكواذب
على أشرف الأوقات لما غبنتها بأسواق غبن بين لاهٍ ولاعب
على أنفس الساعات لما أضعتها وقضيتها في غفلة ومعاطب
على صرفي الأيام في غير طائل ولا نافع من فعل فضل وواجب
على ما تولى من زمان قضيته ورجيته في غير حق وصائب
على فرص كانت لو اني انتهزتها لقد نلت فيها من شريف المطالب
وأحيان آناء من الدهر قد مضت ضياعاً وكانت موسماً للرغائب
هذا شعور بالتفريط والمحاسبة وأن هناك أشياء كثيرة فاتت، ثم هذه الأبيات لـ جمال الدين الصرصري رحمه الله، وبعد هذا الشعور، يقول في قصيدة له:
فيا من مد في كسب الخطايا خطاه أما يأن لك أن تتوبا
ألا فاقلع وتب واجهد فإنا رأينا كل مجتهد مصيبا
وأقبل صادقاً في العزم واقصد جناباً للمنيب له رحيبا
وكن للصالحين أخاً وخلاً وكن في هذه الدنيا غريبا
وغض عن المحارم منك طرفاً طموحاً يفتن الرجل الأريبا
فخائنة العيون كأسد غاب إذا ما أهملت وثبت وثوبا
ولا تطلق لسانك في كلام يجر عليك أحقاداً وحوبا
ولا يبرح لسانك كل وقت بذكر الله رياناً رطيبا
وصلِّ إذا الدجى أرخى سدولاً ولا تضجر به وتكن هيوبا
تجد أنساً إذا أودعت قبراً وفارقت المعاشر والنسيبا
وصم ما تستطيع تجده ريا إذا ما قمت ظمئانا سغيبا
وكن متصدقاً سراً وجهراً ولا تبخل وكن سمحاً وهوبا
تجد ما قدمته يداك ظلاً إذا ما اشتد بالناس الكروبا
وكن حسناً السجايا ذا حياء طليق الوجه لا شكساً غضوبا
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من التائبين المنيبين، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات والحسنات وحب المساكين، اللهم إنا نسألك ترك المنكرات، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الأخيار، الأتقياء الأخفياء الحنفاء، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.