[استنباط ابن هبيرة فائدة في إرسال رسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق]
وكذلك في قوله سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}[الفرقان:٢٠] ذكر لفتة مهمة للداعية إلى الله سبحانه وتعالى، قال: فهذا يدل على فضل هداية الخلق بالعلم، ويبين شرف العالم على الزاهد المنقطع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كالطبيب، والطبيب يكون عند المرضى، فلو انقطع عنهم هلكوا.
هذا وصف جميل للداعية، وهو أن الداعية مثل: الطبيب، والطبيب يكون موقعه عند المرضى، فلو أن الطبيب اعتزل المرضى ولَمْ يُخالطهم هلكوا، ولذلك قال:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}[الفرقان:٢٠] أي: يخالطون الناس، قال: ويبين شرف العالم على الزاهد المنقطع؛ لأن بعض الناس قد يكون عندهم زهد؛ لكنهم ينقطعون عن الناس، ويشتغلون في الخلوات بذكر الله ونحوه، لكن لا يخالطون الناس، فهؤلاء لا ينفعون الناس.
فتأمل كلام ابن هبيرة -رحمه الله- الدقيق في هذه المسألة عندما شبه المعلم والداعية بالطبيب، وأن الداعية يجب أن يخالط الناس، لأنه إذا لم يخاطبهم ما استفادوا منه ولا تعلموا ولا انتفعوا ولا عدَّلوا من أخطائهم وهكذا كانت وظيفة الرسل؛ الدعوة والتعليم.
ولو أن كل إنسان قال: أنا ملتزم بديني في نفسي وأعتزل الناس ولا أخالطهم، فإن هذا سيؤدي إلى استشراء الشر وعدم وجود من يعلِّم الخلق.