ويحكى أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك المجتمع وكان فاسقاً ظاهر الفسق، وكان هناك مولىً أسود تقدم في العلم والعمل، فأكب الناس على تعظيمه، فاتفق أن خرج هذا المولى الأسود من بيته إلى المسجد، فاتبعه خلقٌ كثيرٌ يعظمونه ويأخذون عنه العلم، فلقيه الشريف سكراناً، الشريف لقي هذا الرجل في الطريق وهو سكران فكان الناس يطردونه عن طريق المولى هذا الرجل العالم، فغلبهم هذا السكران بقوة وتعلق بأطراف الشيخ، وقال له: يا أسود الحوافر والمشافر! يا كافر ابن كافر! أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذل وأنت تجل! وأهان وأنت تعان! فهم الناس بضربه، فقال الشيخ: لا تفعلوا، هذا محتملٌ منه لجده -فأنا أتنازل عن حقي في السب والشتيمة من أجل جده الرسول صلى الله عليه وسلم- ولكن أيها الشريف! بيضتُ باطني وسودتَ باطنك -يقول: أنا بيضت باطني وأصلحت نيتي وأنت سودت باطنك- فرأوا بياض قلبي فوق سواد وجهي فحسنتُ، ورأوا سواد قلبك فوق بياض وجهك فقبحتَ، وأخذتُ سيرة أبيك -يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم- وأنت أخذت سيرة أبي، فرآني الخلق في سيرة أبيك، ورأوك في سيرة أبي، فظنوني ابن أبيك، وظنوك ابن أبي، فعملوا معك ما يعمل مع أبي، وعملوا معي ما يعمل مع أبيك.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(العلماء ورثة الأنبياء) فاحترام العلماء من الواجبات.
ولذلك يقول الشاعر:
ولا ينفع الأصل من هاشمٍ إذا كانت النفس من باهلة
وباهلة: قبيلة من قبائل العرب، وكان فيها أشياء تشينها، منها: أنهم كانوا يغلون عظام الميتة ويشربونها، كان يفعلون أشياء تشين بالنفس، ولذلك كانوا في الجاهلية مذلين من قبل العرب، كانت أذل قبيلة هي باهلة، حتى قيل لأعرابي: أترضى أن تدخل الجنة وأنت من باهلة؟ قال: لا، إلا ألا يعلم أهل الجنة أني من باهلة.
وقبيلة باهلة دخلها الإسلام، ودخل الإسلام صحابة كبار من قبيلة باهلة، فمن الخطأ الاعتقاد السيئ في قبيلة باهلة، وهو شيء جاهلي، وحين جاء الإسلام، صار الانتساب للإسلام، فإذا كان من قريش رجل فاجر فهو ذليل، ولو كان من باهلة وهو مسلم تقي، فهو عزيز، ولذلك قال الله عز وجل لنوح عليه السلام:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود:٤٦] مع أنه ولد نوح لصلبه، يقول له: إنه ليس من أهلك، لأنه كفر:{قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}[هود:٤٣] وذكره الله مع الكافرين، فقال الله عز وجل يعلم نوحاً، ويعلم المؤمنين من بعده إلى قيام الساعة:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود:٤٦] فنفى الله عن نوح هذا الولد، وجعله يتبرأ منه:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود:٤٦] وكذلك إبراهيم عليه السلام، فكما أنه ما نفعت نبوة نوح ابن نوح، كذلك ما نفعت نبوة إبراهيم أبا إبراهيم، فهذا آزر أبو إبراهيم مات على الكفر، والله عز وجل يوم القيامة- كما في حديث البخاري - معنى الحديث يقول:(يقول إبراهيم لله عز وجل: لا تخزني يوم يبعثون فيقول الله: إني لا أدخل الكفار إلى النار، فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه، ثم يلقى في النار) أي: يمسخ الله عز وجل آزر هذا بشكل ضبع متلطخ بقذارته، ثم يؤخذ هذا الضبع المتسخ من قوائمه ويوضع في النار، فهذا مصير أبي إبراهيم، يمسخ ضبعاً متسخاً، ثم يؤخذ به ويلقى في النار.