للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المحبة والإرادة أصل كل دين]

الدين هو الأعمال الباطنية والظاهرة، فالآن سيتكلم رحمه الله تعالى عن قضية العلاقة بين المحبة والدين، فقد قال: " إن كل الحركات في العالم منشؤها المحبة والإرادة " وقسمنا المحبة وعرفنا العلاقة بين ما يحبه الله وما يبغضه الله إلى آخره.

المحبة والإرادة أصل كل دين، والدين هو مجموعة الأعمال الظاهرة والباطنة، والدين يُفسر أيضاً بأنه الطاعة الدائمة اللازمة التي صارت عادة وخلقاً، ولذلك فسر ابن عباس رضي الله عنه قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] قال: [وإنك لعلى دين عظيم] وفي اللغة بعض الشعراء يستعمل الدين بمعنى العادة، ومنه في اللغة بمعنى (الديدن) مأخوذ من الدين، والديدن هو العادة اللازمة، وديدن مأخوذ من دان مثل صلصل من صَلَّ، وكَبْكَبَ من كَبَّ، فهذا التشديد المفكوك.

قال: " واسم العبادة يتناول غاية الحب بغاية الذُل، وهكذا الدين الذي يدين به الناس في الباطن والظاهر لابد فيه من الحب والخضوع " وإذا كان بعض الناس يخضعون لأشخاص ولا يحبونهم كما يخضعون لبعض الظلمة، مثلاً: ظالم يتحكم فيهم ويتولى عليهم، فيخضعون له، هل يسمون محبين له؟

الجواب

لا، لأن المحبة ليست هي الخضوع فقط.

ولو جاء من قال: أنا أحب فلاناً أو أحب هذا الشيء لكن لا أخضع له، وأعمل على ما أريد، هل يكون محباً له؟ لا.

هل يكون عابداً له؟ لا.

فالعبادة والدين تستلزم محبة وخضوعاً، وإذا كان كل عمل صادر عن محبة وإرادة، والعمل يتبع الحب والبغض، وبنوا آدم لا غنى لبعضهم عن بعض، ولابد أن يكونوا اجتماعيين يحتاج بعضهم إلى بعض، فلابد أن يكون هناك اشتراك في أشياء نتيجة معيشة الناس مع بعض، فلابد أن يشتركوا في محبة شيء عام وبغض شيء عام، وهذا هو الدين المشترك.

فالدين المشترك للناس المجتمعين، يكون فيه محبة أشياء وبُغض أشياء، بغض النظر عن هذا الدين ما هو بالضبط، ولكن الدين المشترك هو: وجود هؤلاء الأحياء أو هذه المخلوقات أو الناس المجتمعين يحبون شيئاً ويبغضون شيئاً، هذا هو الدين المشترك.

أما اختصاص كل واحد بمحبة، كمحبة ما يأكله ويشربه وينكحه وطلب ما يستره، فهذا يشتركون في نوعه لا في شخصه، أي: مثلاً هذا يحب الطعام هذا فيأكل منه، وهذا يحب الطعام هذا فيأكل منه، لو كان من جنس واحد كله كالأرز لكن ما يأكله هذا غير ما يأكله هذا، بل قالوا حتى في الهواء وحتى في المطر فالذي يصيب هذا غير الذي يصيب هذا، مع أنهم كلهم يحبون المطر ويحبون الهواء البارد العليل لكن ما يصيب هذا من الهواء غير ما يصيب هذا من الهواء وهكذا.