[لامية ابن الوردي]
فمن أعظم المنظومات التي نظمت في الأخلاق اللامية المسماة: لامية ابن الوردي، نريد أن نلقي الضوء على شيء من أبيات هذه اللامية؛ حتى يتبين لنا مدى اعتناء العلماء رحمهم الله بجمع هذه الأخلاق، قال ابن الوردي رحمه الله تعالى:
اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل
إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل
واترك الغادة لا تحفل بها تمس في عز وترفع وتجل
وانه عن آلة لهو أطربت وعن الأمرد مرتج الكفل
وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل
واهجر الخمرة إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل
واتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل
صدق الشرع ولا تركن إلى رجل يرصد في الليل زحل
حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل
أي بني اسمع وصايا جمعت حكماً خصت بها خير الملل
اطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
في ازدياد العلم إرغام العدا وجمال العلم إصلاح العمل
جمل المنطق بالنحو فمن يحرم الإعراب بالنطق اختبل
مات أهل الفضل لم يبق سوى مكرف أو من على الأصل اتكل
أنا لا أختار تقبيل يدٍ قطعها أجمل من تلك القبل
إن جزتني عن مديحي صرت في رقها أولا فيكفيني الخجل
ملك كسرى تغني عنه كسرةٌ وعن البحر اجتزاء بالوشل
أعذب الألفاظ قولي لك خذ وَأَمرُّ اللفظ نطقي بلعل
اعتبر نحن قسمنا بينهم تلقه حقاً وبالحق نزل
ليس ما يحوي الفتى من عزمه لا ولا ما فات يوماً بالكسل
اطرح الدنيا فمن عاداتها تخفض العالي وتعلي من سفل
عيشة الراغب في تحصيلها عيشة الجاهد فيها أو أقل
كم جهول وهو مسرٍ مكثر وعليم مات منها بالعلل
كم شجاع لم ينل فيها المنى وجبان نال غايات الأمل
أيُ كف لم تَفد مما تُفد فرماها الله منه بالشلل
لا تقل أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسود المرء من غير أبٍ وبحسن السبك قد ينفى الزغل
وكذا الورد من الشوك وما يطلع النرجس إلا من بصل
قيمة الإنسان ما يحسنه أكثر الإنسان منه أو أقل
اكتم الأمرين فقراً وغنى واكسب الفلس وحاسب من بطل
وادَّرع جداً وكداً واجتنب صحبة الحمقى وأرباب الخلل
بين تبذير وبخل رتبةٌ وكلا هذين إن دام قتل
لا تخض في سب سادات مضوا إنهم ليسوا بأهل للزلل
وتغافل عن أمور إنه لم يفز بالحمد إلا من غفل
ليس يخلو المرء من ضدٍ وإن حاول العزلة في رأس جبل
مِل عن النمام وازجره فما بلغ المكروه إلا من نقل
دار جار السَّوء بالصبر وإن لم تجد صبراً فما أحلى النُقل
جانب السلطان واحذر بطشه لا تعاند من إذا قال فعل
لا تل الحكم وإن هم سألوا رغبة فيك وخالف من عذل
إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل
فهو كالمحبوس عن لذاته وكلا كفيه في الحشر تغل
إن للنقص والاستثقال في لفظة القاضي لوعظاً ومثل
لا تواز لذة الحكم بما ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل
فالولايات وإن طابت لمن ذاقها فالسم في ذاك العسل
نَصَبُ المنصب أوهى جلدي وعنائي من مداراة السِفل
قصِّر الآمال في الدنيا تفز فدليل العقل تقصير الأمل
غِب وزر غِباً تزد حباً فمن أكثر الترداد أقصاه الملل
خذ بحد السيف واترك غمده واعتبر فضل الفتى دون الحُلل
لا يضر الفضلَ إقلالٌ كما لا يضر الشمس إطباق الطفل
حبك الأوطان عجز ظاهرٌ فاغترب تلقَ عن الأهل بدل
فبمكث الماء يبقى آسناً وسُرى البدر به البدر اكتمل
لا يغرنك لين من فتى إن للحيات ليناً يعتزل
أنا مثل الماء سهل سائغٌ ومتى سخن آذى وقتل
أنا كالخيزور صعب كسره وهو لينٌ كيفما شئت انفتل
غير أني في زمان من يكن فيه ذا مال هو المولى الأجل
واجب عند الورى إكرامه وقليل المال فيهم يستقل
كل أهل العصر غمرٌ وأنا منهم فاترك تفاصيل الجمل