• ما المستحب في رفع القبر؟
المستحب أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
لحديث جابر: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألحد ونصب عليه … ورفع قبره من الأرض نحواً من شبر).
وجاء في ذلك بعض الآثار عن بعض السلف.
ولأن القبر يرفع عن الأرض ليعلم أنه قبر فيتوقى ويصان ولا يهان، ويترحم على صاحبه.
قال في (زاد المستقنع) ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنماً.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه (الشرح الممتع) أي السنة أن يرفع القبر عن الأرض، وكما أنه سنة، فإن الواقع يقتضيه؛ لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاماً مما إذا حرثت، فلا بد أن يربو التراب، وأيضاً فإن مكان الميت كان بالأول تراباً، والآن صار فضاء، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه …
واستثنى العلماء من هذه المسألة: إذا مات الإنسان في دار حرب، أي: في دار الكفار المحاربين، فإنه لا ينبغي أن يُرفع قبره، بل يسوى بالأرض خوفا عليه من الأعداء أن ينبشوه، ويمثلوا به، وما أشبه ذلك.
وقوله (مسنما) أي: يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزاً على أطرافه، وضد المسنم: المسطح الذي يجعل أعلاه كالسطح.
والدليل على هذا: أن هذا هو صفة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبري صاحبيه .... (الشرح الممتع).
وقد روى البخاري عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا.
أما ما رواه مسلم (٩٦٩) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ).
فالمقصود بالتسوية هنا، أي تسويته بسائر القبور، وقد تقدم أنها تكون في حدود الشبر.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْقَبْر لَا يُرْفَع عَلَى الْأَرْض رَفْعًا كَثِيرًا، وَلَا يُسَنَّم، بَلْ يُرْفَع نَحْو شِبْر وَيُسَطَّح، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَفْضَل عِنْدهمْ تَسْنِيمهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالِك " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد شرح كتاب التوحيد:
" قوله: (ولا قبرا مشرفا): عالياً.
قوله: (إلا سويته). له معنيان:
الأول: أي سويته بما حوله من القبور.
الثاني: جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة، قال تعالى: (الذي خلق فسوى) أي: سوى خلقه أحسن ما يكون، وهذا أحسن، والمعنيان متقاربان.