للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَاصَرَ بَنِي النَّضِيرِ فِي حُصُونِهِمْ بِالْبُوَيْرَةِ حِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَقَطَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا مِنْ نَخْلِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرَاهُمْ إِمَّا بِأَمْرِهِ وَإِمَّا لِإِقْرَارِهِ.

وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ قَطْعِهَا (أي نخل بني النضير)؟

فَقِيلَ: لِإِضْرَارِهِمْ بِهَا.

وَقِيلَ: لِتَوْسِعَةِ مَوْضِعِهَا لِقِتَالِهِمْ فِيهِ. (الحاوي لماوردي).

• اذكر أقسام قطع شجر العدو من حيث الجواز وعدمه؟

قال الماوردي: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَخْلُ حَالُ نَخْلِهِمْ وَشَجَرِهِمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أي المشركين في حال القتال:

أَحَدُهَا: أَنْ نَعْلَمَ أَنْ لَا نَصِلَ إِلَى الظَّفَرِ بِهِمْ إِلَّا بِقَطْعِهَا، فَقَطْعُهَا وَاجِبٌ: لِأَنَّ مَا أَدَّى إِلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَاجِبٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَبِهَا مِنْ غَيْرِ قَطْعِهَا، فَقَطْعُهَا مَحْظُورٌ: لِأَنَّهَا مَغْنَمٌ، وَاسْتِهْلَاكُ الْغَنَائِمِ مَحْظُورٌ، وَعَلَى هَذَا حَمْلُ نَهْيِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ بِالشَّامِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْفَعَهُمْ قَطْعُهَا، وَيَنْفَعَنَا قَطْعُهَا، فَقَطْعُهَا مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: لَا يَنْفَعُهُمْ قَطْعُهَا، وَلَا يَنْفَعُنَا قَطْعُهَا، فَقَطْعُهَا مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي هَدْمِ مَنَازِلِهِمْ عَلَيْهِمْ، عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ.

وقال ابن قدامة: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إتْلَافِهِ كَاَلَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ، وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ يُسْتَرُونَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ، أَوْ تَمَكُّنٍ مِنْ قِتَالٍ، أَوْ سَدِّ بَثْقٍ، أَوْ إصْلَاحِ طَرِيقٍ، أَوْ سِتَارَةِ مَنْجَنِيقٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَكُونُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا، فَيُفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ، لِيَنْتَهُوا، فَهَذَا يَجُوزُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.

الثَّانِي: مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ، لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعَلُوفَتِهِمْ، أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّنَا، فَإِذَا فَعَلْنَاهُ بِهِمْ فَعَلُوهُ بِنَا، فَهَذَا يَحْرُمُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ.

الثَّالِثُ: مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَفْعٌ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ، وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَوَصِيَّتِهِ.

وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَجُوزُ.

وَبِهَذَا قَالَ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

قَالَ إِسْحَاقُ: التَّحْرِيقُ سُنَّةٌ، إذَا كَانَ أَنْكَى فِي الْعَدُوِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ).

وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَعَ، وَهُوَ الْبُوَيْرَةُ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ). (المغني)

<<  <  ج: ص:  >  >>