سابعاً: بيع السمك.
فلا يجوز بيع السمك وهو في الماء.
قال ابن قدامة: وَلَا السَّمَكِ فِي الْآجَامِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: إنَّهُ غَرَرٌ.
وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ.
وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ رَقِيقًا، لَا يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ وَمَعْرِفَتَهُ.
الثَّالِثُ، أَنْ يُمْكِنَ اصْطِيَادُهُ وَإِمْسَاكُهُ.
فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ، جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَعْلُومٌ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ فَجَازَ بَيْعُهُ، كَالْمَوْضُوعِ فِي الطَّسْتِ.
وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِذَلِكَ. (المغني).
ثامناً: أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعَمَ.
فلا يجوز بيع الثمرة قبل أن تطعم (قبل أن يبدو صلاحها).
كما في حديث ابن عمر (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا. نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ). متفق عليه
الحكمة في النهي قبل بدو صلاحها: أنه في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها غرراً وخطراً ظاهراً يفضي إلى المفاسد الكثيرة بين المسلمين من إيقاع التشاحن والتشاجر وأكل مال الغير بغير حق.
فالبائع إذا باع قبل بدو الصلاح وتعجل البيع فإنه ستقل قيمتها عما لو أخر البيع إلى ما بعد الصلاح والنضج فيكون في ذلك خسارة عليه.
وأما المشتري: ففي ذلك حفظ لماله من الضياع والمخاطر والتغرير، لأن الثمرة قد تتلف وتنالها الآفات قبل الانتفاع بها فيذهب ماله، فنهي عن ذلك تحصيناً للأموال من الضياع وحفظاً للحقوق، وقطعاً للمخاصمات والمنازعات بين المتبايعين.
وقد قسم ابن قدامة بيع الثمر قبل بدو صلاحه إلى أقسام، فقال رحمه الله:
لا يخلوا بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يشتريها بشرط التبقية، فلا يصح البيع إجماعاً، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.
القسم الثاني: أن يبيعها بشرط القطع في الحال، فيصح بالإجماع، لأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة وحدوث العاهة عليها قبل أخذها، وهذا مأمون فيما يقطع فصح بيعه كما لو بدا صلاحه.
القسم الثالث: أن يبيعها مطلقاً، ولم يشترط قطعاً ولا تبقية، فالبيع باطل، وبه قال مالك والشافعي، وأجازه أبو حنيفة.
ثم قال مرجحاً رأي الجمهور في حكم هذا القسم الأخير: ولنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فيدخل فيه محل النزاع.