وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَنَعَ مِنْ عَطِيَّةِ بَعْضِ وَلَدِهِ، وَتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَقُوَّةِ الْمِلْكِ، وَإِمْكَانِ تَلَافِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ بِإِعْطَاءِ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ بَيْنَهُمْ، فَفِي حَالِ مَوْتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، وَضَعْفِ مِلْكِهِ، وَتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ، وَتَعَذُّرِ تَلَافِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَإِنْ أَجَازَهَا، جَازَتْ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ أَجَازَهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ، إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ عَطِيَّةً مُبْتَدَأَةً.
أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ).
وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ.
وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ".
وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ وَصَّى لِأَجْنَبِيٍّ، وَالْخَبَرُ قَدْ رُوِيَ فِيهِ: إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ. (المغني)
وجاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تصح لوارث، إلا أن يشاء الورثة المرشدون بنصيبهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث).
• متى يعتبر رضا الورثة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن الوقت المعتبر لإجازة الورثة هو ما كان بعد موت الموصي، وأما ما كان قبله فغير معتبر.
وبهذا قال الجمهور، وهم الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
قالوا: أن حق الورثة في المال لا يثبت إلا بعد موت الموصي
القول الثاني: أن الوقت المعتبر هو ما كان بعد موت الموصي، أو ما كان في مرض موته.
وهذا مذهب المالكية، واختاره ابن تيمية.
قالوا: إن الإجازة تصح من الورثة في حال مرض الموصي، لأن حقهم قد تعلق بماله في هذه الحال، بخلاف حال الصحة.
وقول الجمهور أحوط.
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- تحريم الوصية لوارث كما تقدم.
- جواز الوصية لغير الوارث.
- أن تحريم الوصية للوارث إنما هو لحفظ حقوق الورثة.
- لابد من إجازة جميع الورثة حتى تنفذ الوصية، فإن أجاز بعضهم دون بعض نفذت الإجازة في نصيبه فقط دون نصيب الثاني.