للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• ما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- (أو ليخالفن الله بين وجوهكم)؟

قيل: معناه يمسخها ويحولها عن صورها.

وقيل: معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، وهذا هو الصحيح.

ويؤيده رواية أبي داود (أو ليخالفن الله بين قلوبكم).

• بما تكون تسوية الصفوف؟

تسوية الصَّفِّ تكون بالتساوي، بحيث لا يتقدَّم أحدٌ على أحد، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجْلِ؟

قال الشيخ ابن عثيمين: المعتبر المناكب في أعلى البَدَن، والأكعُب في أسفل البَدَن، وإنما اعتُبرت الأكعب؛ لأنها في العمود الذي يَعتمد عليه البدنُ، فإن الكعب في أسفل السَّاق، والسَّاقُ هو عمودُ البَدَن، فكان هذا هو المُعتبر. وأما أطراف الأرجُل فليست بمعتبرة؛ وذلك لأن أطراف الأرجُلِ تختلف، فبعض الناس تكون رِجْلُه طويلة، وبعضهم قصيرة، فلهذا كان المعتبر الكعب.

وهناك تسوية أخرى بمعنى الكمال؛ يعني: الاستواء بمعنى الكمال، كما قال الله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى)، أي: كَمُلَ، فإذا قلنا: استواءُ الصَّفِّ بمعنى كماله؛ لم يكن ذلك مقتصراً على تسوية المحاذاة، بل يشمَل عِدَّة أشياء:

أولاً: تسويةَ المحاذاة، وهذه على القول الرَّاجح واجبة، وقد سبقت.

ثانياً: التَّراصَّ في الصَّفِّ، فإنَّ هذا مِنْ كماله، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بذلك، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب … ولا تذروا فُرُجَات للشيطان، أي: لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم.

ثالثاً: إكمالَ الأول فالأول، فإنَّ هذا مِنْ استواءِ الصُّفوف، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا، وقد نَدَبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تكميل الصفِّ الأول فقال: (لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا) يعني: يقترعون عليه؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول، فقال أحدهم: أنا أحقُّ به منك، وقال الآخر: أنا أحقُّ، قال: إذاً نقترعُ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي

ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم: أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني، ثم إذا أُقيمت الصلاة، وقيل لهم: أتمُّوا الصفَّ الأول، جعلوا يتلفَّتون مندهشين.

<<  <  ج: ص:  >  >>