- وقال ابن رجب: لكراهة التقدم ثلاثة معان:
أحدها: أنه على وجه الاحتياط لرمضان، فيُنهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه.
والمعنى الثاني: الفصْل بين صيام الفرض والنفل.
والمعنى الثالث: أنه أمر بذلك، للتقوي على صيام رمضان، فإن مواصلة الصيام قد تُضعف على صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوي على صيام رمضان، وفي هذا التعليل نظر، فإنه لا يكره التقدم بأكثر من ذلك، ولا لمن صام الشهر كله.
• ما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- (إلا رجل كان يصوم … )؟
معنى الاستثناء: أن من كان له ورد فقد أذن له فيه، لأنه اعتاده وألفه، وترك المألوف شديد، وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما.
• متى يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين؟
في حالتين:
الأولى: من كان له عادة بصوم يوم معين، كيوم الاثنين أو الخميس، فلا بأس بذلك لزوال المحذور، والثانية: من يصوم واجباً كصوم نذر أو كفارة أو صيام قضاء رمضان السابق، فكل هذا جائز، لأن ذلك ليس من استقبال رمضان.
• ما صحة حديث (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)؟
استدل بعض العلماء بحديث الباب على ضعف حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا). رواه أبو داود
قال أحمد وابن معين: إنه منكر. (الفتح).
قال ابن حجر: وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال: الرخصة في ذلك فيما هو أصح من حديث العلاء، وكذلك صنع قبله الطحاوي.
وحديث (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا … ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطحاوي وابن حبان وعبد الرزاق والنسائي.
وهذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه (وسيأتي بحثه في حديث قادم إن شاء الله).
وقد قال ابن رجب: اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، فصححه غير واحد، منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر.
وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم، وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثاً أنكر منه، وردّه بحديث: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين. (لطائف المعارف)، ويدل على ضعفه:
أ-حديث الباب.
ب-وحديث (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أكثر شعبان).
ج-جواز تقدم الصوم قبل رمضان بأكثر من يومين.
فإن قال قائل: ما الجواب عن حديث عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: (هل صمت من سَرَرِ هذا الشهر شيئاً)؟
فقال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه). متفق عليه
أولاً/ سرر الشهر آخر الشهر، ويؤيد ذلك رواية أحمد: (من سرار الشهر) قال البخاري: [باب الصوم من آخر الشهر] ثم ذكر حديث عمران.
ثانياً/ لا معارضة بين هذا الحديث وحديث الباب، فإن حديث عمران محمول على أن هذا الرجل كان معتاداً لصيام آخر الشهر، فتركه خوفاً من الدخول في النهي عن تقدم رمضان ولم يبلغه الاستثناء، فبين له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي، وأمره بقضائه لتستمر محافظته على ما وظف نفسه من العبادة، لأن أحب العمل إلى الله أدومه.