٥٨٩ - وَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: (شَهِدْتُ بِنْتًا لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تُدْفَنُ، وَرَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ عِنْدَ اَلْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ) رَوَاهُ اَلْبُخَارِيِّ.
===
(بنتاً) هي أم كلثوم.
• اذكر لفظ الحديث كاملاً؟
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ شَهِدْنَا بِنْتاً لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ - قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ قَالَ - فَقَالَ «هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ». فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا. قَالَ «فَانْزِلْ». قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا) رواه البخاري.
قوله (لم يقارف): أي لم يجامع، ويؤيد هذا المعنى أنه جاء في رواية (لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة) وقيل: لم يذنب، والصحيح الأول.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: جواز البكاء على الميت من غير نياحة ولا شق ولا ضرب، وقد جاءت الأدلة الكثيرة على جواز ذلك:
أ- فقد بكى -صلى الله عليه وسلم- لما ماتت ابنته، كما في حديث الباب.
ب- وبكى -صلى الله عليه وسلم- لما مات ابن ابنته، كما في حديث أُسَامَة بنِ زيدِ. قَالَ (أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إنَّ ابْني قَدْ احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرئُ السَّلامَ، ويقُولُ: ((إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ)) فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا. فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ، وَرجَالٌ -رضي الله عنهم-، فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- الصَّبيُّ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ: يَا رسولَ الله، مَا هَذَا؟ فَقالَ: ((هذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَاده)) متفق عليه.
قال النووي: مَعْنَاهُ أَنَّ سَعْدًا ظَنَّ أَنَّ جَمِيع أَنْوَاع الْبُكَاء حَرَام، وَأَنَّ دَمْع الْعَيْن حَرَام، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- نَسِيَ فَذَكَرَهُ، فَأَعْلَمَهُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مُجَرَّد الْبُكَاء وَدَمع العَيْنٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلا مَكْرُوه بَلْ هُوَ رَحْمَة وَفَضِيلَة وَإِنَّمَا الْمُحَرَّم النَّوْح وَالنَّدْب وَالْبُكَاء الْمَقْرُون بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّه لا يُعَذِّب بِدَمْعِ الْعَيْن وَلا بِحُزْنِ الْقَلْب وَلَكِنْ يُعَذِّب بِهَذَا أَوْ يَرْحَم وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه). ا. هـ
ج- وبكى لما زار سعد بن عبادة، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ (اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ فَقَالَ «أَقَدْ قَضَى». قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَكَوْا فَقَالَ «أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ) متفق عليه.
د- وبكى لما مات ابنه إبراهيم، كما في حديث أَنَس بْنِ مَالِك. قَالَ (دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِى سَيْفٍ الْقَيْنِ - وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ -عليه السلام- فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَذْرِفَانِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه- وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ». ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُون) رواه البخاري.