للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا هو ما جنح إليه جمع منهم العلامة القرطبي إذ قال: فالمعاني الثلاثة متقاربة، فالخمر تركت، وخمرت حتى أدركت ثم خالطت العقل، ثم خمرته والأصل الستر.

ومنهم الحافظ بن حجر إذ قال بعد حكايته: ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان.

قال ابن عبد البر: الأوجه كلها موجودة في الخمرة، لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذ شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه. (الحدود عند ابن القيم).

• ما عقوبة شارب الخمر؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: أن مقدار حد الخمر ثمانين جلدة.

وهذا مذهب جماهير العلماء.

قال ابن قدامة: إحداهما: أنه ثمانون، وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة ومن تبعهم.

لحديث الباب: (فلما كان عهد عمر استشار الناس … ).

وجه الدلالة: أن هذا الأثر نص صريح في أن الصحابة وافقوا عمر وأجمعوا على أن عقوبة الشارب ثمانون جلدة.

قال الصنعاني مبيناً وجه الاستدلال لهم: قالوا: لقيام الإجماع عليه في عهد عمر فإنه لم ينكر عليه أحد.

قال ابن قدامة: لإجماع الصحابة.

القول الثاني: الحد أربعون، وأن الزيادة على الأربعين إلى الثمانين تعزيرية.

وهذا مذهب الشافعي، وهو قول داود، ورجحه ابن تيمية وابن القيم.

قال ابن قدامة: والرواية الثانية أن الحد أربعون، وهو اختيار أبي بكر ومذهب الشافعي.

وقال النووي: … فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَأَهْل الظَّاهِر وَآخَرُونَ: حَدّه أَرْبَعُونَ، قَالَ الشَّافِعِيّ -رضي الله عنه-: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْلُغ بِهِ ثَمَانِينَ، وَتَكُون الزِّيَادَة عَلَى الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرَات عَلَى تَسَبُّبه فِي إِزَالَة عَقْله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا أوجه القولين.

أ- ولحديث علي – الآتي – قال (جَلَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ)

ب- لحديث الباب، (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْر).

قال ابن قدامة: وَفِعْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا خَالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ، يَجُوزُ فِعْلُهَا إذَا رَآهُ الْإِمَامُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>