• ما الجواب عن أدلة من قال: إنه حج مفرداً؟
الجواب عنه من وجوه:
أ-أن هؤلاء الذين رووا الإفراد - وهم عائشة وجابر وابن عمر - رووا أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج قارناً - كما سيأتي في أدلة من رأى القران - ويعترض عليها بالأحاديث الأخرى الصحيحة، التي رواها غير هؤلاء، التي نقل رواتها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حج قارناً، وفي بعضها أنه حج متمتعاً، فهي متعارضة في الظاهر ومحتملة إفراد الحج، أو أن مرادهم إفراد عمل الحج، كما أن من روى أنه أفرد الحج لم يقل أحد منهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إني أفردت بالحج، ولا أتاني من ربي آت يأمرني بالإفراد، ولا قال أحد: سمعته يقول: لبيك بعمرة مفردة البتة، ولا بحج مفرد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: … وأما الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج فهم ثلاثة: عائشة وابن عمر وجابر، والثلاثة نقل عنهم التمتع، وحديث عائشة وابن عمر أنه تمتع بالعمرة إلى الحج أصح من حديثهما أنه أفرد الحج، وما صح عنهما من ذلك فمعناه إفراد أعمال الحج.
من الأجوبة:
ب-أن من قال (أفرد بالحج) فإن قوله محمول على أول الحال، ثم إنه قرن -عليه السلام- بعد ذلك.
ج-أن يكون مراد من قال (أفرد الحج) أنه اعتمر أول الإحرام.
د-أن يكون مراد من قال (أفرد الحج) الرد على من قال: تمتع بالعمرة إلى الحج، وحل من إحرامه كما يحل المتمتع.
هـ- أن يكون مراد من روى أنه أفرد: أنه لم يحج بعد نزول فرض الحج إلا حجة فردة لم يثنها بأخرى. (مشكل أحاديث المناسك) (مجلة البحوث الإسلامية عدد: ٥٩).
• ما أفضل الأنساك؟
اختلف العلماء في الأفضل من الأنساك الثلاثة، وسبب اختلافهم في ذلك يرجع إلى اختلافهم في نسك الحج الذي أحرم به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أنه - كما تقدم - قد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان مفردا، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان متمتعا، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان قارناً
فاختلف العلماء في الأفضل على أربعة أقوال:
القول الأول: القران أفضل.
وهذا قول الثوري وأبو حنيفة وإسحاق، ورجحه النووي والمزني.
واستدلوا بالأحاديث الصحيحة، التي دلت على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارناً. قالوا: فلما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارناً، وهو إنما يختار لنفسه الأفضل، دل على أن القران أفضل الأنساك.
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه وإن كان الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قارناً، لكن هذا لا يدل على أنه الأفضل؛ إذ لو كان القران هو الأفضل لما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان قارناً ولم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نقل أصحابه من الحج إلى المتعة، وتأسف كيف لم يمكنه ذلك، ولو كان القران هو الأفضل لكان الأمر بالعكس.
القول الثاني: التمتع أفضل.
وبه قال الإمام أحمد في الصحيح من المذهب، والشافعي في قول، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وعلي، وبه قال الحسن وعطاء وطاووس ومجاهد.
أ- استدلوا بالأحاديث الصحيحة عن ابن عباس وجابر وأبي موسى وعائشة وغيرهم -رضي الله عنهم-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه لما طافوا، أن يحلوا ويجعلوها عمرة، وذلك في أحاديث صحيحة متفق عليها.
كقوله -صلى الله عليه وسلم- (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة). متفق عليه
فهو -صلى الله عليه وسلم- تأسف على فواته، وأمر أصحابه أن يفعلوه.