• بماذا أجاب أصحاب القول الثاني عن أدلة القول الأول (الجواز).
أما حديث ابن عباس:
أ-فقالوا: إن المراد بالأجر هنا الثواب.
ب- أن الحديث منسوخ بما ورد من نصوص الوعيد في أخذ الأجرة.
ج- أن الرقية نوع من التداوي، فهي من الأمور المباحة، وليست مثل التعليم إذ هو عبادة، فالقياس عليها قياس مع الفارق.
والأكمل والافضل أن الإنسان لا يأخذ على تعليمه أجراً.
فائدة:
قال الشنقيطي: قَوْلُهُ تَعَالَى (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ).
ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنَّهُ أَخْبَرَ قَوْمَهُ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُهُمْ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ وَالْهُدَى، بَلْ يَبْذُلُ لَهُمْ ذَلِكَ الْخَيْرَ الْعَظِيمَ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ أَخْذِ أُجْرَةٍ فِي مُقَابِلِهِ.
وَبَيَّنَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ، كَقَوْلِهِ فِي «سَبَإٍ» عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ).
وَقَوْلِهِ فِيهِ أَيْضًا فِي آخِرِ «سُورَةِ ص» (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
وَقَوْلِهِ فِي «الطُّورِ»، وَ «الْقَلَمِ» (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ).
وَقَوْلِهِ فِي «الْفُرْقَانِ» (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا).
وَقَوْلِهِ فِي «الْأَنْعَامِ» (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ).
وَقَوْلِهِ عَنْ هُودٍ فِي «سُورَةِ هُودٍ» (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي).
وَقَوْلِهِ فِي «الشُّعَرَاءِ» عَنْ نُوحٍ، وَهُودٍ، وَصَالِحٍ، وَلُوطٍ، وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ رُسُلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي «يس» (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا).
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ أَخْذِ عِوَضٍ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَلَى تَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.
تنبيه:
أخذ الأجرة على مجرد القراءة.
قال ابن تيمية: الاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة.
• ما حكم أخذ الأجرة على الرقية؟
يجوز.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانُوا في سَفَرٍ فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ. فَقَالُوا لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَىِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ نَعَمْ فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ الرَّجُلُ فَأُعْطِىَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا. وَقَالَ حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا رَقَيْتُ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. فَتَبَسَّمَ وَقَالَ «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ». ثُمَّ قَالَ «خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) رواه مسلم
وقد بوب عليه النووي رحمه الله في شرحه لمسلم بقوله: باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار.