ثالثاً: إذْن الدائن للمدين بالجهاد إذا لم يكن متعيناً عليه والدين حال والمدين معسر؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
قيل: لا يشترط إذن الدائن لخروج المدين إلى الجهاد إذا كان معسراً ولم يتعين عليه.
وبهذا قال المالكية، والشافعية.
لقوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة).
قالوا: إن الله أمر بإنظار المعسر إلى حين الميسرة، فلا يجوز مطالبته قبل ذلك، وإذا لم تكن هناك مطالبة فللمدين الخروج بغير إذن الدائن.
وقيل: يشترط إذن الدائن.
وبهذا قالت الحنفية، والحنابلة.
أ- لحديث أَبِى قَتَادَةَ. عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ «أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كَيْفَ قُلْتَ». قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّى خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلاَّ الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ -عليه السلام- قَالَ لِي ذَلِك) رواه مسلم.
فقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (إلا الديْن) فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الشهادة والجهاد وغيرهما من أعمال البر لا يكفّر حقوق الآدميين، فإذا كانت حقوقهم بهذه الأهمية فلا يجوز تعريضها للخطر بغير إذن أصحاب تلك الحقوق.
ب- لأن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس، وبفواتها يفوت الحق، فلا يجوز بغير إذن صاحب الحق.
وهذا الراجح.
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- فضل برّ الوالدين، وتعظيم حقّهما، وكثرة الثواب على برّهما.
- تحريم السفر بغير إذن الوالدين؛ لأن الجهاد إذا منع مع فضيلته، فالسفر المباح أولى، نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعيّن السفر طريقًا إليه، فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف.
- أن برّ الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد.
- أن المستشار يشير بالنصيحة المحضة.
-أنه يؤخذ منه أن كلّ شيء يتعب النفس يسمّى جهادًا.
- أن المكلّف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة ليعمل به؛ لأنه سمع فضل الجهاد، فبادر إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقّه، ولولا السؤال ما حصل له العلم بذلك.