بَابُ اَلْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
الفوات: أن يفوت الحج، كأن يفوته الوقوف بعرفة، حيث لم يصلها إلا بعد مضي وقتها.
فمن لم يأت عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، ولو لحظة، ولو ماراً، فاته الحج بإجماع العلماء.
قال النووي رحمه الله في (المجموع): فإذا أحرم بالحج، فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج بالإجماع.
ولذلك سمي الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم، لأنه بفوته يفوت الحج، وليس هناك ركن من أركان الحج إلا ويمكن تداركه إلا الوقوف بعرفة، ومن ثم قال النبي (الحج عرفة)، بخلاف الطواف لأنه ليس له وقت محدود.
فمن فاته الحج يلزمه ما يلي:
أولاً: أن يحول هذا الحج إلى عمرة، فيأتي إلى الكعبة ويطوف بالسعي ويقصر.
لأنه ليس بإمكانه إتمام الحج الآن، ولأن الحج عرفة.
لما رواه مالك في الموطأ (٨٧٠) أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- (خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالنَّازِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْمَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)، وصحح إسناده النووي رحمه الله.
ثانياً: يلزمه القضاء والهدي.
أما وجوب القضاء والهدي، فلما رواه عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. قَالَ عِكْرِمَةُ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: صَدَقَ) رواه أبو داود (١٨٦٢) وفي لفظ: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ أَوْ مَرِضَ). صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولقول عمر لأبي أيوب رضي الله عنهما: (فَإِذَا أَدْرَكَكَ الْحَجُّ قَابِلًا، فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ).
وبهذا قال الحنفية ومالك والشافعي والحنابلة.
وروى مالك عن نافع عن سليمان بن يسار (أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ، كُنَّا نَرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، وَانْحَرُوا هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، وَارْجِعُوا، فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ).
وقال ابن قدامة: الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين. وهو قول من سمينا من الصحابة، والفقهاء، إلا أصحاب الرأي، فإنهم قالوا: لا هدي عليه … ، ولنا، حديث عطاء، وإجماع الصحابة … " انتهى.
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجب القضاء إلا إذا كان واجباً عليه.
• الخلاصة:
أولاً: من فاته الحج وكان حجه فرضاً، فعليه إعادته بغير خلاف.
ثانياً: من فاته الحج وكان حجه نفلاً، فهل يلزمه إعادته أم لا؟
جماهير العلماء: يلزمه إعادته.
فهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة.
وذهب الظاهرية إلى أنه لا يلزمه إعادته.
والأول أصح.