للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن شناعة شهادة الزور أو قول الزور أنه يخدش صيام الصائم.

لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.

[ما الدليل على شدة تحريم شهادة من الحديث؟]

في الحديث شدة تحريم شهادة الزور، لقوله (وكان -صلى الله عليه وسلم- متكئاً فجلس فما زال يكررها).

قال الحافظ: قَوْلُهُ (وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ اهْتَمَّ بِذَلِكَ حَتَّى جَلَسَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّكِئًا وَيُفِيدُ ذَلِكَ تَأْكِيدَ تَحْرِيمِهِ وَعِظَمَ قُبْحِهِ.

وَسَبَبُ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ كَوْنُ قَوْلِ الزُّورِ أَوْ شَهَادَةِ الزُّورِ أَسْهَلَ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرَ فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ وَالْعُقُوقَ يَصْرِفُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَأَمَّا الزُّورُ فَالْحَوَامِلُ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ كَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا فَاحْتِيجَ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِتَعْظِيمِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ الْإِشْرَاكِ قَطْعًا بَلْ لِكَوْنِ مَفْسَدَةِ الزُّورِ مُتَعَدِّيَةً إِلَى غَيْرِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ الشِّرْكِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُ قَاصِرَةٌ غَالِباً. (الفتح).

وقوله (فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) أَيْ: شَفَقَةً عَلَيْهِ وَكَرَاهِيَةً لِمَا يُزْعِجُهُ وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَدَبِ مَعَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْه.

وقال النووي: وَأَمَّا قَوْله: (فَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) فَجُلُوسه -صلى الله عليه وسلم- لِاهْتِمَامِهِ بِهَذَا الْأَمْر، وَهُوَ يُفِيد تَأْكِيد تَحْرِيمه، وَعِظَم قُبْحه.

وَأَمَّا قَوْلهمْ (لَيْتَهُ سَكَتَ) فَإِنَّمَا قَالُوهُ وَتَمَنَّوْهُ شَفَقَة عَلَى رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وَكَرَاهَة لِمَا يُزْعِجهُ وَيُغْضِبهُ.

وجاء في (سبل السلام) وَإِنَّمَا اهْتَمَّ -صلى الله عليه وسلم- بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَجَلَسَ، وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَكَرَّرَ الْإِخْبَارَ؛ لِكَوْنِ قَوْلِ الزُّورِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ: أَسْهَلَ عَلَى اللِّسَانِ، وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرَ؛ وَلِأَنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ (قول الزور) كَثِيرَةٌ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا، فَاحْتِيجَ إلَى الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ، بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ، فَإِنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَدَّى مَفْسَدَتُهُ إلَى غَيْرِ الْمُشْرِكِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الزُّورِ، فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ قِيلَ فِيه. (سبل السلام)

فائدة:

وليعلم: أن من شهادة الزور أن يشهد الشاهد من غير تثبت ولا تبيّن.

والدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ان جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ان تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

لأن في الشهادة من غير تثبت ظلما للناس، وضياعاً لحقوقهم، وتشويهاً لسمعتهم، وقد تصل درجة الضرر ببعض من شهد عليهم بالباطل أن تسفك دماؤهم أو تتلطخ أعراضهم أو تختلط انسابهم أو يحصل لهم غير ذلك من الأضرار والمفاسد الكثيرة بسبب شهادة الزور وعدم التثبت بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>