للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفائدة ثانية: على تقدير عدم الوجوب؛ وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها التي تبذل ذاتَها في تحصيله وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنه هو محبوبها ومعشوقها، فندب الله تعالى محبِّيه المجاهدين في سبيله إلى بذل معشوقهم ومحبوبهم في مرضاته، فإن المقصود أن يكون الله هو أحب شيء إليهم، ولا يكون في الوجود شيء أحبَّ إليهم منه، فإذا بذلوا محبوبهم في حبه نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل منها؛ وهي بذل نفوسهم له؛ فهذا غاية الحب؛ فإن الإنسان لا شيء أحبَّ إليه من نفسه، فإذا أحب شيئاً بذل له محبوبه من نفسه وماله، فإذا آل الأمر إلى بَذْلِ نفسه ضنَّ بنفسه وآثرها على محبوبه.

هذا هو الغالب وهو مقتضى الطبيعة الحيوانية والإنسانية، ولهذا يدافع الرجل عن ماله وأهله وولده، فإذا أحس بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه فرَّ وتركهم، فلم يرضَ الله من محبيه بهذا، بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتهم.

وأيضاً فبذل النفس آخر المراتب، فإن العبد يبذل ماله أولاً يقي به نفسه، فإذا لم يبقَ له ماله بذل نفسه؛ فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقاً للواقع.

وقال الشنقيطي: وَحَقِيقَةُ الْجِهَادِ بَذْلُ الْجُهْدِ وَالطَّاقَةِ، وَالْمَالُ هُوَ عَصَبُ الْحَرْبِ وَهُوَ مَدَدُ الْجَيْشِ، وَهُوَ أَهَمُّ مِنَ الْجِهَادِ بِالسِّلَاحِ، فَبِالْمَالِ يُشْتَرَى السِّلَاحُ، وَقَدْ تُسْتَأْجُرُ الرِّجَالُ كَمَا فِي الْجُيُوشِ الْحَدِيثَةِ مِنَ الْفِرَقِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَبِالْمَالِ يُجَهَّزُ الْجَيْشُ، وَلِذَا لَمَّا جَاءَ الْإِذْنُ بِالْجِهَادِ أَعْذَرَ اللَّهُ الْمَرْضَى وَالضُّعَفَاءَ، وَأَعْذَرَ مَعَهُمُ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَجْهِيزَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَعْذَرَ مَعَهُمُ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ مَا يُجَهِّزُهُمْ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى، إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُون).

وَكَذَلِكَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ، قَدْ يُجَاهِدُ بِالْمَالِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ بِالسِّلَاحِ كَالنِّسَاءِ وَالضُّعَفَاءِ، كَمَا قَالَ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزا).

وفي سؤال لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال فيه السائل: نجد أن الله عزَّ وجل في كثير من آيات الجهاد يقدِّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؛ فما الحكمة من ذلك؟

فأجاب فضيلته بقوله: يظهر والله أعلم لأن الجيش الإسلامي قد يحتاج إلى المال أكثر من حاجته إلى الرجال؛ ولأن الجهاد بالمال أيسر من الجهاد بالنفس.

• اذكر بعض صور الجهاد بالمال؟

إنفاق المال في تجهيز المجاهد بالسلاح.

إنفاق المال لكفالة أُسَر المجاهدين الذين استجابوا لنداء الجهاد تاركين خلفهم أولادهم ونسائهم:

• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟

- وجوب جهاد الكفار بكل وسيلة وطريقة.

- إذا كان المجاهد مديناً وتعيَّن الجهاد لدفع الضرر، قُدِمَ الجهاد بالمال على سداد الدين. قال ابن تيمية رحمه الله: فإِنْ كَانَ الْجِهَادُ المُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَر؛ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>