والقول الثاني: وهو الذي مشى عليه صاحبُ «المقنع»: أنَّه لا بُدَّ مِنْ اتِّصالِ الصُّفوفِ، وأنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ مَنْ كان خارجَ المسجدِ إلا إذا كانت الصُّفوفُ متَّصلةً؛ لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ ـ وهي متابعة المأمومِ للإِمام والمكان. وإلا لقلنا: يَصِحُّ أن يكون إمامٌ ومأمومٌ واحد في المسجد، ومأمومان في حجرة بينها وبين المسجد مسافة، ومأمومان آخران في حجرة بينه وبين المسجدِ مسافة، ومأمومان آخران بينهما وبين المسجد مسافة في حجرة ثالثة، ولا شَكَّ أنَّ هذا توزيعٌ للجماعةِ، ولا سيَّما على قولِ مَنْ يقول: إنَّه يجب أن تُصلَّى الجماعةُ في المساجد.
فالصَّوابُ في هذه المسألة: أنَّه لا بُدَّ في اقتداءِ مَنْ كان خارجَ المسجدِ مِنْ اتِّصالِ الصُّفوفِ، فإنْ لم تكن متَّصِلة فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ.
مثال ذلك: يوجد حولَ الحَرَمِ عَماراتٌ، فيها شُقق يُصلِّي فيها الناسُ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين، إما في الصَّلاةِ كلِّها؛ أو في بعضِها، فعلى كلامِ المؤلِّفِ تكون الصَّلاةُ صحيحةً، ونقول لهم: إذا سمعتم الإِقامة فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع الإِمام ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرام.
وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ. وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِنْ أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ المذياع.
• ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث (لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ)؟
قيل: أي، عن رحمته، وعظيم فضله، ورفيع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك، قاله النووي.
وقيل: حتى يؤخرهم في النار، كما جاء في حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار) رواه أبو داود، وفي رواية لأحمد (حتى يؤخرهم الله يوم القيامة).
وقيل: قال القرطبي: قيل هذا في المنافقين، ويحتمل أن يراد به أن الله يؤخرهم عن رتبة العلماء المأخوذ عنهم، أو عن رتبة السابقين.