بَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ
الدعاوى: جمع دعوى، وهي: أن يضيف الإنسان إلى نفسه حقاً على غيره.
والبينات جمع بينة: وهي ما يَبين الحق ويظهره كالشهود.
١٤٠٩ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ).
===
- (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ) أي: بمجرد دعواهم وطلبهم دون ما يثبت ذلك.
(وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وهو من عليه الحق.
عرف المدعِي والمدعَى عليه؟
المدعي: هو الذي يدعي الحق فيضيف الشيء إلى نفسه.
والمدعَى عليه: هو الذي عليه الحق.
[اذكر منزلة هذا الحديث؟]
قال القرطبيّ: وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، يقتضي ألا يُحكَم لأحد بدعواه - وإن كان فاضلًا شريفًا - في حقٍّ من الحقوق - وإن كان محتقَرًا يسيرًا - حتَّى يستند المدَّعي إلى ما يقوّي دعواه، وإلا فالدَّعاوي متكافئة، والأصل: براءة الذمم من الحقوق، فلا بدَّ مما يدلّ على تعلُّق الحق بالذمَّة، وتترجَّحُ به الدعوى.
وقال النووي: وهذا الحديث قاعدة كبيرةٌ من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنَّه لا يُقْبَل قول الإنسان فيما يدّعيه بمجرد دعواه، بل يَحتاج إلى بيّنة، أو تصديق المدعَى عليه، فإن طلب يمين المدعَى عليه فله ذلك، وقد بَيَّن -صلى الله عليه وسلم- الحكمة في كونه لا يُعْطَى بمجرد دعواه؛ لأنه لو كان أُعطي بمجردها لادَّعَى قوم دماء قوم وأموالهم، واستبيح، ولا يمكن المدعَى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة. انتهى.
وقال السعدي: هذا الحديث عظيم القدر، وهو أصل من أصول القضايا والأحكام، فإن القضاء بين الناس إنما يكون عند التنازع، هذا يدعي على هذا حقاً من الحقوق، فينكره، وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتاً عليه، فبين - صلى الله عليه وسلم - أصلاً بفض نزاعهم، ويتضح به المحق من المبطل، فمن ادعى عيناً من الأعيان، أو ديناً، أو حقاً من الحقوق وتوابعها على غيره، وأنكره ذلك الغير، فالأصل مع المنكر، فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق، ثبت له، وحُكمَ له به، وإن لم يأت ببينة، فليس له على الآخر إلا اليمين.