١٥٦٣ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى اَلْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ (كَانَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو: اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي جِدِّي، وَهَزْلِي، وَخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ اَلْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي) أي: سيئتي، أو ذنبي.
(وَجَهْلِي) أي: ما صدر مني من أجل جهلي، والجهلُ ضدّ العلم، وقال القاري: "وجهلي"؛ أي: فيما يجب عليّ عِلمه، وعمله، وقيل: أي: ما لم أعلمه.
(اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي جِدِّي) بكسر الجيم، وهو الاجتهاد في الأمر، والتحقيق وضدّ الهزل.
(وَهَزْلِي) بفتح الهاء، وسكون الزاي، وهو المزاح؛ أي: ما وقع مني في الحالين، أو هو التكلم بالسخرية، والبطلان، والهذيان.
(وَخَطَئِي، وَعَمْدِي) الخطأ ما يقع بدون قصد، والعمد ما يقع عن قصد.
(اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ) أي: قبل هذا الوقت.
(وَمَا أَخَّرْتُ) عنه.
(وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ) أي: ما أخفيت، وما أظهرت، أو ما حدّثتُ به نفسي، وما تحرّك به لساني.
وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) أي: من المعاصي والسيئات، هذا تعميم بعد تخصيص.
ما معنى (أَنْتَ اَلْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ)؟
قال المهلّب. أشار بذلك إلى نفسه؛ لأنه المقدَّم في البعث في الآخرة، والمؤخَّر في البعث في الدنيا. انتهى.
وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: معناه المنزِّل للأشياء منازلها، يقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويُعزّ من يشاء، وُيذلّ من يشاء، وجعل عباده بعضهم فوق بعض درجات. وقيل: هو بمعنى الأول، والآخر، إن كلّ متقدّم على متقدّم فهو قبله، وكلّ متأخّر على متأخر فهو بعده، ويكون المقدم والمؤخّر بمعنى الهادي، والمضلّ، قدّم من شاء لطاعته، لكرامته، وأخر من شاء بقضائه، لشقاوته.
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
نستفيد استحباب الدعاء بهذه الكلمات العظيمة الجامعة، المشتملة على طلب المغفرة من الله.
[لماذا يستحب البسط في دعاء الله تعالى؟]
مِنْ آداب الدعاء الإلحاحُ على الله وكثرةُ سؤاله وعدمُ السآمة والملل " والله يحبُّ الملِّحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيراً من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فيها من بسط الألفاظ وذكر كلِّ معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه ما يشهد لذلك، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث علي رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه (اللَّهمَّ اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخرتُ وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به منِّي، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر لا إله إلاَّ أنت).
ومعلومٌ أنَّه لو قيل: اغفر لي كلَّ ما صنعت كان أوجز، ولكن لفظ الحديث في مقام الدعاء والتضرُّع وإظهار العبودية والافتقار باستحضار الأنواع التي يتوب العبدُ منها تفصيلاً أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر (اللَّهمَّ اغفر لي ذنبي كلَّه دقَّه وجُلَّه، سرَّه وعلانيته، أوَّلَه وآخره).