قال النووي: وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها.
فائدة (١): لكن الأفضل أن تفعل بعد الزوال.
قال ابن قدامة: فالأولى أن لا تصلى إلا بعد الزوال ليخرج من الخلاف وبفعلها في الوقت الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعلها فيه في أكثر أوقاته و يعجلها في أول وقتها في الشتاء والصيف لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجلها بدليل الأخبار التي رويناها، ولأن الناس يجتمعون لها في أول وقتها ويبكرون إليها قبل وقتها فلو انتظر الإبراد بها لشق على الحاضرين.
فائدة (٢): وقال رحمه الله: وأما في أول النهار فالصحيح أنها لا تجوز لما ذكره أكثر أهل العلم ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص أو ما يقوم مقامه وما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن خلفائه أنهم صلوها في أول النهار، ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل وهو مختص بالساعة السادسة فلم يجز تقديمها عليها والله أعلم، ولأنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر المصلين فإن العادة اجتماعهم لها عند الزوال وإنما يأتيها ضحى أحاد من الناس وعدد يسير كما روي عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة فوجد أربعة قد سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد.
فائدة (٣): قال الشوكاني: واعلم أن الأحاديث الصحيحة قد اشتمل بعضها على التصريح بإيقاع صلاة الجمعة وقت الزوال كحديث سلمة بن الأكوع في الصحيحين (قال كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس) وبعضها فيه التصريح بإيقاعها قبل الزوال كما في حديث جابر عند مسلم وغيره (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلي جمالهم فيريحونها حين تزول الشمس) وبعضها محتمل لإيقاع الصلاة قبل الزوال وحاله كما في حديث سهل بن سعد في الصحيحين قال (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة) وكما في حديث أنس عند البخاري وغيره قال (كنا نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم نرجع إلي القائلة فنقيل) ومجموع هذه الأحاديث يدل على أن وقت صلاة الجمعة حال الزوال وقبله ولا موجب لتأويل بعضها.