القول الثاني: يكره صومه.
وهذا ذهب إليه بعض العلماء.
لحديث أبي هريرة. (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة بعرفة) رواه أبو داود.
لكنه حديث ضعيف، قال العقيلي: لا يصحّ عنه أنه نهى عن صومه.
وقال النووي: ضعيف.
القول الثالث: يستحب صومه.
وهذا قول ابن حزم.
لحديث الباب (يُكَفِّرُ اَلسَّنَةَ اَلْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).
لكن هذا الحديث ورد في حق غير الحاج، أمّا الحاج فلا يصومه اقتداء وتأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه من بعده، وفيه قوة على الدُّعاء والذكر والعبادة، والدعاء فيه مستجاب، وأنّ يوم عرفة هو يوم عيد لأهل عرفة؛ لاجتماعهم فيه كما في الحديث الذي تقدَّم ذكره.
والراجح القول الأول وهو استحباب فطره.
• ما الحكمة من استحباب فطره للحاج؟
قيل: ليتقوى على الدعاء.
وقيل: لأنه عيد لأهل عرفة.
قال ابن القيم: قالت طائفة: ليتقوى على الدعاء، وهذا قول الخرقي وغيره.
وقال غيرهم - منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - الحكمة فيه أنه عيد لأهل عرفة، فلا يستحب صومه لهم، قال: والدليل عليه الحديث الذي في السنن عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام) قال شيخنا: وإنما يكون يوم عرفة عيداً في حق أهل عرفة لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم.
• هل تكفير الذنوب في صوم عرفة يشمل الصغائر والكبائر أم فقط الصغائر؟
التكفير يقع للصغائر دون الكبائر، وهذا مذهب جمهور العلماء.
أ-لقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ).
ب-ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر). رواه مسلم
فإذا كانت الصلوات الخمس لا تقوى على تكفير الكبائر، فمن باب أولى صيام عرفة.
• أيهما أفضل يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟
قال ابن حجر: روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً: إن صوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين.
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فلذلك كان أفضل.
وقال ابن القيم: فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما/ أن يوم عرفة في شهر حرام، وقبله شهر حرام، وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء.
الثاني/ أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى.